للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسقط الحضانة بعوض الخلع أو بغير عوض أصلاً فإنها تسقط، ولو كانت حقاً للمحضون لما سقطت بإسقاطه، ولأن الحاضن لا أجرة له من أجل الحضانة على المشهور عندهم، إذ الإنسان لا يأخذ أجراً على الواجب عليه، ولو كانت الحضانة حقاً للمحضون لكانت له الأجرة (١)، ويرى الباحث - والله تعالى أعلم - أن الحق في الحضانة مشترك بين الحاضن والمحضون، لأن الحضانة بطبيعتها لا توجد إلا بهما، ولكلٍ منهما فيها حق، حيث إن حق المحضون متمثل في البقاء وكذلك حق الحاضن متمثل في تربية ورعاية المحضون وإن كان حق المحضون أقوى لحاجته إليها. (٢)

وتعتبر العناية بالطفل منذ ولادته من أساسيات حياته، وحضانته دليل على استقامته النفسية وسلامته الفكرية والبدنية، وللحضانة دلالة لغوية، حيث تعني احتضان الشيء، أو وضعه في الحِضن، والحضن من الإنسان ما كان دون الإبط إلى الكِشح، وحضن الطائر بيضه، إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وكذلك المرأة إذا حضنت ولدها. (٣)

وفي المصطلح الشرعي تعني الحضانة تربية الطفل ومراعاة مصلحته في وقت يعجز ولا يميّز بين ضرّها ونفعها (٤)، ومن الفقهاء من جعلها:" حفظ الطفل عما يضرّه، وتربيته بغسل رأسه وبدنه وثيابه، ودهنه وتكحيله، وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحو ذلك" (٥)، ويعتبر هذا التعريف الأقرب لما نناقشه (إجازة الأمومة)، لأنه ذكر ما تقوم به المرأة الموظفة التي تستحق هذه الإجازة، ومن المعاصرين من جعلها القيام على الولد الصغير بما يصلحه تربية وحفظاً حتى يستقلّ بأموره (٦).

وتقرر مستند الحضانة في قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (٧) فراعت الشريعة الفطرة البشرية والتكوين الجبلّي للإنسان السوي، إذ الطفل يحتاج إلى


(١) التسولي، البهجة شرح التحفة، ج٣، ص٦٤٥.
(٢) عقلة، محمد، نظام الأسرة في الإسلام، ج٣، ص٣٥٣، ط٢، ١٩٩٠م، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، الأردن.
(٣) الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ج٥، ص٢١٠١، مادة حضن، ط٢، ١٩٧٩م، دار العلم، بيروت، لبنان.
(٤) الماوردي، الحاوي الكبير، ج١١، ص٤٩٨.
(٥) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج٩، ص٤١٦.
(٦) حمادة، فاروق، أحكام الحضانة في الإسلام سياج لحماية الطفولة، بحث منشور في مجلة الأحمدية، العدد الثالث، ص٤، والمؤلف مدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس بالرباط، وهو سوري الأصل.
(٧) سورة الإسراء، آية رقم ٢٤.