للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا لو استأجر إنساناً ليحفر له البئر فانهارت فلا ضمان عليه" (١)، وقد تلخصت آراء الفقهاء في هذه المسألة على النحو الآتي:

١. أن من تعدّى فعمل في ما لا يملك ولا مأذونٌ له بالعمل فيه فهلك به إنسان ضمنه صاحب العمل.

٢. أن العامل إذا عمل في غير ملك صاحب العمل مع علمه بأن صاحب العمل متعدٍ في ذلك وحصل له ضرر فالضمان عليه، وإن لم يعلم فالضمان على صاحب العمل.

٣. من عمل في ملكه متبعاً بذلك كل القوانين والأنظمة ثم هلك بهذا العمل إنسان فلا ضمان عليه، لأنه غير متعدِّ (٢).

وعلى ما تقدم فإن العامل الذي يعمل في مؤسسة فلا يخلو من كونه يعلم أن هذه المؤسسة تخالف الشرع الإسلامي والقوانين المعمول بها في بلاده فإنه يُعتبر متعدياً في هذه الحالة، فإن تلف بعض من بدنه فهو ضامن، لأنه يعمل فيما لا يجوز له شرعاً مع علمه بذلك، وأما إن كان لا يعلم بمخالفة عمله للشرع الإسلامي أو للقوانين الصحيحة الصادرة من ولي الأمر فتلف شيء من بدنه فضمان ذلك على رب العمل، أما إن عمل العامل في مؤسسة يوافق عملها شرع الله والأنظمة الموضوعة لترتيب أحوال العامل، ثم تلف بدنه أو شيء منه، فلا يخلو ذلك من كون صاحب العمل متسبباً في ذلك التلف فيضمن ما تسبب بتلفه، وذلك كأن يسلّم صاحب العمل آلات صناعية لا تصلح للعمل على وجه السلامة للعامل ليعمل فيها، فإن هلاك العامل أو جزءاً منه يكون بتسبب رب العمل، وأما إذا لم يكن رب العمل متسبباً في ضرر العامل، كأن يكون قد سلّمه آلات جيّدة المواصفات ولكن التلف حصل ببدن العامل بقدر الله - سبحانه وتعالى - وبدون تسبب من ربّ العمل فلا يضمن في هذه الحالة. (٣)

والذي أميل إليه- والله تعالى أعلم - أنه ومن أجل الجمع بين الآراء الفقهية فإنه لا يجوز إهدار دم يسيل من الجسم، وكذلك الألم الذي يعانيه المصاب، مع أن المصاب لا يستعيد قوته العادية إلا بعد وقت قد يكون ليس قصيراً، ثم إن الفقهاء في الزمن الماضي لم يكونوا يعانون من تكاليف العلاج الباهظة كما يعانيها الناس اليوم، ولم يعايشوا تكاليف العلاج الباهظة، لذا فقد حكموا بالعرف السائد لديهم.


(١) ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج١٢، ص٢٦٦.
(٢) المرغيناني، الهداية، ج٤، ص٥٣٩.مالك، المدونة، ج٤، ص٦٦٥. النووي، المجموع، ج١٩، ص١٥. ابن قدامة، المغني، ج٨، ص٣٣٠.
(٣) الكبيّ، سعد الدين محمد، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، ص٥٧٥، ط١، ٢٠٠٢م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، أصل الكتاب رسالة ماجستير من جامعة أم درمان بالخرطوم، وقد تم مناقشتها عام ١٩٩٧م في جامعة الجنان (فرع لجامعة لأم درمان) بلبنان، بإشراف الدكتور مصطفى ديب البغا، بتصرف يسير.