للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢. استدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (١) حيث جاء في تفسيرها:" أي جعلنا ذلك؛ لأننا لو سوينا بينهم في كل هذه الأحوال لم يخدم أحد أحداً، ولم يصر أحد منهم مسخراً لغيره، وحينئذ يقتضي ذلك خراب العالم وفساد نظام الدنيا" (٢) كما تشير هذه الآية الكريمة إلى أهمية الإجارة في إعمار الأرض، وتحقيق وظيفة الاستخلاف فيها وتطبيق هذا المبدأ واقعاً عملياً.

٣. استدلوا أيضاً بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (٣) ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أنها تدل على رفع الحرج عمن يستأجر امرأة لإرضاع ولدٍ من أولاده بالأجر، وفي ذلك دليلٌ على مشروعية إجارة الأشخاص.

٤. قول الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {٢٦} قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {٢٧} قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ {٢٨}} (٤) ووجه الاستدلال أن الآيات تحوي دلالة واضحة على جواز الاستئجار على العمل؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ (٥)،ويؤيد ذلك أن الإمام البخاري (٦) - رحمه الله- عقد لذلك باباً خاصاً وجعل له عنواناً (باب إذا استأجر اجيراً فبيّن له الأجل ولم يبيّن له العمل" لقوله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (٧) وقد احتجّ الإمام الشافعي -رحمه الله- بهذه الآية على مشروعية الإجارة (٨).


(١) سورة الزخرف، آية رقم ٣٢.
(٢) الرازي، فخر، التفسير الكبير، ج٢٧، ص ٢٠٩، ط٢، دار الكتب العلمية، طهران، إيران.
(٣) سورة البقرة، آية رقم ٢٣٣.
(٤) سورة القصص، الآيات ٢٦ - ٢٨.
(٥) ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، ج٣، ص ٤٩٦،ط١، ٢٠٠٥م، دار الفكر، بيروت، لبنان.
(٦) محمد بن إسماعيل البخاري (١٩٤ - ٢٥٦هـ) ولد في بخارى ونشأ يتيماً، زار خراسان والعراق ومصر والشام، سمع من نحو أكثر من ألف شيخ، تعصب عليه جماعة فقصد سمرقند. الزركلي، خير الدين، الأعلام، ج ٦،ص ٣٤،ط٤،دار العلم للملاين، بيروت.
(٧) سورة القصص، آية رقم ٢٧
(٨) ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج٤، ص٤٤٤، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان.