للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على التحريم عن طريق إنهائه لعقد العمل أو فسخه، ولأن رب العمل قد يكون مهدداً بصورة أقوى إذا انتهى عقد العمل بسبب خلاف بينه وبين العامل الذي قد يُسارع في إفشاء هذه الأسرار إضراراً برب العمل، وهذا الأمر يندرج تحت الأمور التي يلتزم بها العامل ديانة لا قضاءً.

٢. إن العامل يظل مُلزماً بالحفاظ على أسرار رب العمل ما دامت لها صفة السرية، ومن ثَمّ إذا زالت هذه الصفة بأن أُذيعت بين الناس فإن العامل يتحلل من هذا الالتزام، هذا ما لم تكن إذاعتها على سبيل الإشاعة والتشهير برب العمل.

٣. إن التزام العامل يقتصر على عدم إفشائه إلى الغير، ومن ثَمّ إذا قام العامل باستعمال هذه الأسرار لنفسه أو لحسابه الخاص بعد انتهاء عقد العمل فإنه لا يُعدُّ مخلاً بالتزامه، إلا إذا كانت هذه الأسرار تتمثل في اختراعات سُجّلت براءة اختراعها" (١).

لذلك كله يجب التفريق بين ما هو سرّ وما هو خبرة وتكوين مهني، وهو ما يصعب من الناحية العملية، بحيث يكون إطلاق حظر الإفادة من السر بعد انقضاء علاقة العمل قيداً على حرية العمل، ثم ينبغي التفريق بين إفشاء الأسرار للغير أو الإستفادة منها لحسابه الخاص أثناء العقد أو بعد انقضائه، لذا كان لزاماً على صاحب العمل حماية هذه الأسرار بعد انتهاء العقد، وذلك بالنصّ في عقد العمل على منع العامل من إفشاء الأسرار بعد انتهاء العقد، وأن يتم تعديل القانون ليتضمن نصاً قانونياً، يُلزم العامل بالمحافظة على هذه الأسرار بعد انتهاء عقد العمل، وإلزام العامل بهذا الواجب يقتضيه مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.

ومن المقرر أن كتمان هذه الأسرار لا يدخل تحت حُرمة كتمان العلم، وهو ما ذمّه القرآن الكريم في قول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {١٥٩} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٢)، ولا يدخل كتمان أسرار العمل تحت وعيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله:" من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" (٣)؛ لأن المقصود من الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف هو ذمّ كتم الأحكام الشرعية، وما تتوقف عليه حياة الناس، ويؤيد ذلك سبب نزول الآية، حيث جاء في


(١) مشاقي، حسين، شرح أحكام قانون العمل الفلسطيني، ص٢٦.
(٢) سورة البقرة، الآيتان ١٥٩و١٦٠.
(٣) رواه ابن ماجه في سننه، كتاب اتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، باب من سئل عن علم فكتمه، ص٦٣، برقم (٢٦١)،والترمذي في سسنه، كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، ص ٥٩٧، برقم (٢٦٤٩) وقال عنه: صحيح.