هذا ما ذكروه عنه؛ وما شنع به عليه، والذي يقال هنا -والعلم عنه الله تعالى- أن: المعاصرة حجاب، يحجب الفضائل، فربما استشنع المعاصر من معاصره شيئا لولا المعاصرة ما استنكر، ولكان محتملا.
وأنا -هنا- لا أزعم العصمة لأهل العلم، والخطأ والتجاوز وارد عليهم، كما أن الوقوع في مثل هذا الذي ذكروه عنه محتمل ممكن، ولكن أن أتجاوز احتمالات هي أقوى في نفسي، إلى الجزم بما حملوا عليه تلك الأخبار التي نقلت عن مغلطاي، دون غربلة لها ولا تمحيص؛ فهذا ما لا استجيزه.
وذلك أن الجواب عن تلك التهم -بما لا يوجب القدح في الإمام مغلطاي- ممكن، على النحو التالي:-
أما ما ذكر عنه الإمام العراقي -رحمه الله تعالى- من أنه سأله عن رحلته إلى الشام؛ فذكر أنه سمع فيها شعرا، ثم رجع وادعى أنه سمع من ابن الصواف أحاديث منتقاة من سنن النسائي: فإنه لا يبعد أن يكون مغلطاي لم يخبر أولا بكل ما سمع في رحلته تلك؛ إما لنسيان، أو لمعنى آخر، ثم رجع بعد وأخبر بما سكت عنه، وأنه سمع إضافة إلى الشعر من ابن الصواف، ولا يبعد كذلك أن يكون سمعها وتساهل في كتابتها ومقابلتها، أو أنه كتبها ثم تلف طباقه، فرجع واستجاز كتابتها من غيره ممن سمع معه.
وهذا وإن كان خلاف ما عهد عن المحدثين من التصون، وهو تساهل منعوه: ولكن التشدد في ذلك إنما كان سائغا في زمن الرواية، أما وقد كانت سنن النسائي معروفة متداولة في أيدي الناس، فإن مثل ذلك التساهل لا يضر، والمقصود هو بقاء سلسلة الإسناد فقط، كل ذلك ربما دفع مغلطاي إلى هذا الفعل.
ولو أن الإمام مغلطاي أراد التشبع بما لم يعط، وادعاء السماع ممن لم يسمع