منهم: فما الذي يحوجه إلى ادعاء سماع أربعين حديثا فقط من سنن النسائي؟ وقد كان يمكنه -لو كانت القضية مجرد دعوى- أن يدعي سماع السنن كلها.
وقد كان بين السنة التي رحل فيها مغلطاي إلى الشام -عام ٧٠٠ هـ-، وادعى سماع سنن النسائي من ابن الصواف، بقراءة نور الدين الهاشمي، كان بين ذلك وبين سنة وفاة ابن الصواف التي ادعى فيها القراءة بنفسه عليه: اثنتا عشرة سنة، ولا مانع يمنع إمكان تكرر سماعه، (مرة بقراءة ابن الهاشمي، ومرة بقراءته هو) لا عقلا، ولا عرفا، والزمن محتمل.
وأما قضية إجازة الفخر ابن البخاري له: فيقال فيها= لا مانع من أن يكون الكتاب كان عند مغلطاي نازلا؛ ثم تهيأ له بعد أن يسمع من ابن البخاري مباشرة فبادر إليه، وهذا ممكن، وواقع ولا إشكال فيه، وإنما المعاب هو الرجوع إلى كشط الواسطة بعد ذلك.
(ومما يدل على أنه ما أراد التعمية والتزيد: أنه اكتفى بالكشط على الواسطة دون المحو لها) ومع ذلك: فهذا كله يخف الحمل فيه عليه إذا علم ما سبق، من أن المراد بالإجازة هو بقاء سلسلة الإسناد فقط، وإلا فالكتاب موجود.
وبقيت أشياء مما عابوه عليه لم يبن لي عنها جواب، والله يغفر لنا وله، والظاهر من كل ذلك أن الشيخ -رحمه الله تعالى- كان عنده نوع تجوز وتساهل وتوسع ما احتمل منه، ولكن لم يكن ذلك يصل إلى درجة الكذب والغش للطلاب، هذا ما يظن في حملة العلم، على ما في جملتهم من النقص، وما يقع منهم من التجاوز مما لا يسلم منه بشر، ولكن أمرنا بحسن الظن في المسلمين.
وأهل السنة هم أرحم الخلق بالخلق، فنقل ما نقل عنه وعن مثله من العلم، ونعتذر عما قدرنا الاعتذار عنه، ونترحم عليه فيما ظهر لنا منه من الخطأ والتقصير،