للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويوجهونها يقول: وأصبحوا بفضل هذا التطور العظيم الذى فجأ العرب والمملكة الفارسية العظيمة والمملكة الرومية بل العالم كله يقولون بكل صراحة ووضوح .. الله ابتعثنا ليخرج بنا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .. وبقيت هذه القيادة الشاملة الكاملة مدة طويلة والناس لا يفكرون فى ثورة عليها وفى التخلص منها كما هى عادة المفتوحين والأمم المغلوبة على أمرها فى كل عهد لأن صلتهم بهذه القيادة صلة المفتوح بالفاتح أو المحكوم بالحاكم أو الرقيق بالسيد إنما هى صلة المتمدين بالمتدين أو المؤمن بالمؤمن وعلى الأكثر أنها صلة التابع بالمتبوع الذى سبقه إلى معرفة الحق والإيمان بالدعوة والتفانى فى سبيلها .. فاعترفوا لهم بالفضل، وهذه هى القيادة التى هيأتها البعثة المحمدية والتى أعلنتها سورة الإسراء (١) وهى القيادة التى يجب أن يحرص عليها العرب أشد الحرص


(١) يقول الشيخ جاد الحق – شيخ الأزهر الشريف سابقاً – رحمة الله عليه: لعل ما توحى به مسيرة الإسراء والمعراج أن الله - سبحانه وتعالى - قد أذن بتغيير القيادة المتمثلة فى الرسل بعد أن ظلت الرسالات من الله تعالى تتابع فى بنى إسرائيل الذين عبثوا بالمبادئ وباعوها بثمنٍ بخس وحرفوا الدين وشوهوا معالمه، قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (سورة المائدة – الآية ٧٨) وحكم الله - عز وجل - عليهم بالذلة وباءوا بغضبٍ من الله لما ارتكبوا من آثام {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (سورة البقرة – الآية ٦١)، ومن ثم فقد انتهكت المبادئ السامية التى جاء بها أولئك الرسل وشوهت معالمها فلم تعد صالحة لقيادة العالم، كما أن حاملى هذه المبادئ فقدوا الصلاحية بعد إذ عاثوا =
= فى الأرض فساداً وقتلوا الأنبياء، وكان لابد من انتزاع القيادة منهم واسنادها إلى قومٍ آخرين أقوم وأقدر على حمل هذه الأمانة.
فإمامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء والمرسلين فى بيت المقدس ليلة الإسراء إعلام للناس كافة بالتحول وانتقال الرسالة من فرع اسحاق إلى فرع إسماعيل أبى العرب وجد النبى - صلى الله عليه وسلم - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (سورة الأنعام، من الآية١٢٤ - مقال بعنوان إيماءات وإيحاءات من الإسراء والمعراج نشر بمجلة الأزهر الشريف).
وكانت صلاة الأنبياء خلفه إيذاناً بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها على المكان والزمان، وأفادت هذه الصورة تعيين شخصية النبى - صلى الله عليه وسلم - ووصف إقامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التى بعث فيها وآمنت به وبيان رسالتها ودورها الذى ستمثله فى العالم من بين شعوب الأمم. (السيرة النبوية لأبى الحسن الندوى).

<<  <   >  >>