وانظر إلى حياة النبى موسى - عليه السلام - كم لاقى من فرعون ومن قارون عليهما اللعنة ومن بنى إسرائيل وما آذوه به وجاهد فى الله شديد المجاهدة ..
وانظر إلى حياة سيدنا عيسى - عليه السلام - وصبره على قومه واحتماله الأذى منهم حتى رفعه الله - عز وجل - إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه.
وإذا نظرت إلى حياة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - وتأملت سيرته مع قومه وصبره فى الله واحتماله من الأذى ما لم يحتمله نبى قبله وتلون الأحوال عليه - صلى الله عليه وسلم - من سلم وحرب، وأمن وخوف، وغنى وفقر، وإقامته فى وطنه وظعنه عنه وتركه لله، وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه، وأذى الكفار له، وطرده من بلده مكة وهى أحب البلاد إليه، وألقى فرث الجذور على رأسه وهو ساجد يصلى، ودميت قدماه يوم الطائف وخرج من عندهم هائماً على وجهه ولم يستفق إلا بقرن الثعالب (١)، وما استطاع أن يدخل مكة إلا فى جوار كافر (المطعم بن عدى)، وفى غزوة أحد شج رأسه وكسرت رباعيته ودخلت حلقة المغفر فى وجنته، وقتل عمه الحمزة - رضي الله عنه - (أسد الله) .. وأوذى بسائر أنواع الأذى من القول والفعل .. ولُقِّب بأحقر الألقاب كالسحر والكذب والافتراء والبهتان تنابذاً .. وهو صابر على أمر الله يدعو إلى الله - عز وجل - فلم يؤذ نبى مثلما أوذى وفى ذلك روى عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد أخفت فى الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت فى الله لم
(١) هو الموضع الذى يحرم منه الحجاج والمعتمرون القادمون من ناحية الطائف.