للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ما نقله «جولدتسيهر» من قول وكيع عن زياد بن عبد الله البكَائي «مِنْ أَنَّهُ كَانَ - مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ - كَذُوباً». فهذه إحدى تحريفات هذا المستشرق الخبيث، فأصل العبارة كما وردت في " التاريخ الكبير " للإمام البخاري: وقال ابن عقبة السَدُوسي عن وكيع: «هُوَ (أَيْ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ». اهـ من القسم الأول - الجزء الثاني ص ٣٢٩.

فأنت ترى أن وكيعاً ينفي عن زياد بن عبد الله الكذب مطلقاً لا في الحديث فحسب، وأنه أشرف من أن يكذب، فحَرَّفَها هذا المستشرق اليهودي إلى «أَنَّهُ كَانَ - مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ - كَذُوباً». وهكذا تكون أمانة هذا المستشرق!

وأما أمر التدليس فليس هو كما يتبادر من لفظه اللغوي أنه الغش والتزوير الذي يعتبر صاحبه كذاباً، بل هو اصطلاح خاص بِالمُحَدِّثِينَ وهو عندهم قسمان. وإليك عبارة الشيخ ابن الصلاح - رَحِمَهُ اللهُ -:

«التدليس قسمان: أحدهما: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، مُوهِمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه مُوهِمًا أنه قد لقيه وسمعه منه، ... والثاني: تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حَدِيثًا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف ... أما القسم الأول: فمكروه جِدًّا ذَمَّهُ أكثر العلماء» وبعد أن ذكر اختلافهم في قبول رواية المدلس. قال: «وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ، وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلاتِّصَالِ نَحْوَ (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا) وَأَشْبَاهِهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ مُحْتَجٌّ بِهِ».

وفي " الصَحِيحَيْنِ " وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جِدًّا، كقتادة والأعمش والسفيانين وهُشيم بن بشير وغيرهم، وهذا لأن التدليس ليس كذباً وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل» ثم قال: «وأما القسم الثاني: فأمره أخف ... » إلخ.

ومنه يتبين أن السفيانان وغيرهما مِمَّنْ لم يكن تدليسهم جارحاً وأن روايتهم في كتب الصحاح مقبولة ثابتة، فلا معنى للتهويش باصطلاح خاص

<<  <   >  >>