للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فحمل ذلك كثيراً من الناس أن يصبغوا هذه الأشياء كلها صبغة دينيه حتى يقبلواعليها، فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه، فدخلوا منه على الناس ولم يتقوا الله فيما صنعوا، فكان من أثر ذلك أن نرى الحُكْمَ الفِقْهِيَّ المَصْنُوعَ، والحكمة الهندية والفلسفة الزردشية، والموعظة الإسرائيلية والنصرانية» اهـ.

أتفق المُسْلِمُونَ سلفاً وخلفاً - إلا من لا يعتد بهم من أصحاب البدع والأهواء - على أن الكتاب وَالسُنَّةُ أصلان من أصول التشريع الإسلامي، لا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما، ولا لمجتهد أن يجتهد في مسالة بغير الرجوع إليهما، ثم انقسموا قسمين: قسم يرى الأخذ بظواهر النصوص من غير تعليل ولا توسع في القياس وَهُمْ الظاهرية وأكثر أهل الحديث.

وقسم يرى إعمال الفكر في استنباط الأحكام من النصوص فعملوا بالقياس مع الكتاب وَالسُنَّةُ، وبحثوا عن العلة وَخَصَّصُوا العَامَّ، وَقَيَّدُوا المُطْلَقَ، وَبَيَّنُوا الناسخ من المنسوخ حين تقوم القرينة على ذلك كله، وهؤلاء هم جمهور المُجْتَهِدِينَ وَحَمَلَةِ العلم منذ عصر الصحابة حتى يومنا هذا.

نعم كان هناك تفاوت بينهم في الأخذ بالقياس والتعليل، وفي الأحاطة بِالسُنَّةِ وشروط صحتها والعمل بها، ومن هنا كان الخلاف بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، ولكنهم متفقون جميعاً على أنه لا يصح الاجتهاد في الفقه مُجَرَّدًا غير منظور به إلى الحديث، بل أوجبوا على المجتهد أن يحيط بأحاديث الأحكام كلها لا يألو في ذلك جهداً.

عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وِجْهَةُ الْعِلْمِ مَا نُصَّ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ، أَوْ فِي الإِجْمَاعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ فَالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الأُصُولِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا»

أخرج الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم " عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وِجْهَةُ الْعِلْمِ مَا نُصَّ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ، أَوْ فِي الإِجْمَاعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ فَالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الأُصُولِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا» (١).


(١) ٢/ ٢٦.

<<  <   >  >>