للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمجمع عليه لدى الأئمة المُجْتَهِدِينَ، أن المجتهد ينظر أَوَلاً في كتاب الله، ثم في سُّنَّةِ رسوله، وفي أقوال الصحابة، ثم ينقلب إلى الاستنباط والقياس إن لم يكن هناك إجماع، وسترى عند الكلام على الأئمة الأربعة من أصول مذاهبهم في الاجتهاد ما يؤكد لك ذلك.

فما ادعاه المؤلف من أن أحكام الحلال والحرام، إذا كانت مؤسسة على الاجتهاد لم يكن لها قيمة ما أسس على الحديث، يفيد أن هناك اجْتِهَادًا غير مؤسس على الحديث مع وجوده في يد المجتهد، وهذا لم يقع لإمام من الأئمة المُجْتَهِدِينَ قط، ومن قواعدهم المُسِلَّمَةِ لهم جميعاً أن الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز.

أما الحكمة والموعظة الحسنة، فلا نعلم إماماً من الأئمة رفض الأخذ بها لمجرد أنها لم ترد في القرآن والسُنّة، ما دامت لا تصادم نصوص الشريعة، ولا روحها، ولا غايتها السامية ولا آدابها المطلوبة. ومن المأثور عندهم أن الحكمة ضالة المؤمن (١) يلتقطها أنى وجدها. وقد ذكرِ الله في وصف عباده المؤمنين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وقص علينا كثيراً من قصص الماضين، وحكمهم ومواعظهم، وكذلك فعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنبيهاً على أنه لا مانع من الأخذ عن الماضين بما لا يختلف عن مقاصد الشريعة، ومن هنا جاءت القاعدة الأصولية: «شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله أو رسوله علينا من غير نكير».

وقد أخرِج البخاري في " صحيحه " عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ». قال الحافظ ابن حجر: «أَيْ لاَ ضِيقَ عَلَيْكُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ لأَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّجْرُ عَنِ الْأَخْذِ عَنْهُمْ وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ ثُمَّ حَصَلَ التَّوَسُّعُ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الأَحْكَامِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الدِّينِيَّةِ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ ثُمَّ لَمَّا زَالَ الْمَحْذُورُ وَقَعَ الإِذْنُ فِي ذَلِكَ لِمَا فِي سَمَاعِ


(١) هذا نص حديث أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن.

<<  <   >  >>