للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القياس مطلقاً سواء كان الراوي فقيهاً أم لا، فما نسبه المؤلف إليهم غير صحيح قطعاً، بل قول من ذكرنا سابقاً. ولا حاجة بي إلى أن أنقل أقوال علماء الأصول فهي مبسوطة في مراجعها، وسيأتي في ترجمة أبي حنيفة ما يزيدك اطمئناناً.

وأما ثانياً - فهذا الموقف من تقديم القياس على الخبر ليس خَاصًّاً بأبي هريرة عند القائلين به، بل هم يُعَمِّمُونَهُ في كل رَاوٍ غير فقيه، وإليك عبارة " مسلَّم الثبوت " و" شرحه ":

«وَقَالَ فَخْرُ الإِسْلاَمِ: " إِنِ كَانَ الرَّاوِي مِنَ المُجْتَهِدِينَ كَالأَرْبَعَةِ وَالعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ قُدِّمَ الخَبَرُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الرُّوَاةِ وَعُرِفَ بِالعَدَالَةِ دُونَ الفَقَاهَةِ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ، فَلاَ يُتْرَكُ خَبَرُهُ بِمُعَارَضَةِ القِيَاسِ إِلاَّ عِنْدَ انْسِدادِ بَابِ الْرَّأْيِ كَحَدِيثِ المُصَرَّاةِ "».

وإذاً فتخصيص أبي هريرة بهذا الحكم كما يفيده ظاهر كلام المؤلف غير صحيح.

وأما ثالثاً - فما نقله عن الحَنَفِيَّةِ من قولهم بعدم فقاهة أبي هريرة غير صحيح أيضاًً، إذ لم يقل بذلك منهم إلا فخر الإسلام وصاحباه، وجمهور الحَنَفِيَّةِ على خلافهم، والتشنيع على مقالتهم تلك، قال الكَمَالُ بْنُ الهُمَامِ بعد ذكر قولهم السابق نقله عن " مسلَّم الثبوت ": «وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقِيهٌ»، قال شارحه ابن أمير الحاج: «لَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ الاجْتِهَادِ، وَقَدْ أَفْتَى فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِمْ إلاَّ مُجْتَهِدٌ وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ» (١).

نعم إن الحَنَفِيَّةَ مع كونهم يُقََدِّمُونَ الخبر على القياس إذا تعارضا، فقد تركوا خبر أبي هريرة هنا، لا لخصوص أبي هريرة، ولا خروجاً عن


(١) " التقرير ": ٢/ ٢٥١، انظر كذلك " التيسير ": ٣/ ٥٣.

<<  <   >  >>