للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاعدتهم، بل بناء على قاعدة أخرى مُسَلَّمٌ بِهَا عِنْدَهُمْ، بل عند جميع العلماء وهي أن الخبر إذا عارض الكِتَابَ وَالسُنَّةُ وَالإِجْمَاعَ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، والقاعدة في الترجيح عند تعارض الأدلة أن يصار إلى الأقوى، ولا شك أن ما دَلَّ عليه الكِتَابُ وَالسُنَّةُ بمجموعها والإجماع، أقوى مِمَّا دَلَّ عليه خبر الآحاد، وهذا الخبر قد عارض عندهم الكِتَابَ وَالسُنَّةُ وَالإِجْمَاعَ فلا يُعْمَلُ بِهِ، ثم سلكوا في الجواب عنه مسالك مختلفة أوصلها ابن حجر في " فتح الباري " إلى ستة أقوال: أقربها أنه منسوخ. وروي ذلك عن أبي حنيفة نفسه، وَأَيًّا ما كان فليس في مسلك الحَنَفِيَّةِ هنا ما يعود بالطعن على أبي هريرة، وهذا فخر الإسلام الذي قال بعدم فقاهة أبي هريرة، نَصَّ بصراحة على إجلاله وصدقه وأمانتة، ومعاذ الله أن يذهب أَحَدٌ من أهل العلم والخشية والورع إلى غير هذا.

لعلك علمت الحق في هذه المسائل الثلاث التي أخطأ فيها المؤلف خطأً كبيراً، أما كيف وقف هذا الموقف ومن أين أتى بكلامه السابق، فإليك ما يستدعي عجبك من أمانة العلم ودقة الفهم وصدق البحث.

عقد صاحب " المُسَلَّمِ " فصلاً لبيان ما يشترط في الراوي وما لا يشترط، وذكر أن من الأمور التي لا تشترط فيه الاجتهاد قال: ولا الاجتهاد خلافاً لبعض الحَنَفِيَّة عند مخالفة القياس من كل وجه. والمراد بهم فخر الإسلام ومن وافقه، وقد بيَّن الشارح وجهة نظرهم التي حملتهم على التفرقة بين المجتهد وغيره، ثم قال: «مَثَّلُوا لِذَلِكَ (أي فخر الإسلام ومن وافقه) بِحَدِيثِ المُصَرَّاةِ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَة - وَسَاقَ الحَدِيثَ - قَالُوا: (أي فخر الإسلام ومن معه) وبعد أن قرر الشارح كلامهم كلى هذا الوجه قال: كذا أَقَرَّ شُرَّاحُ كلامه (أي فخرالإسلام) وفيه تأمل ظاهر، فإن أبا هريرة فقيه مجتهد لا شك في فقاهته، فإنه كان يفتي زمن النَّبِيّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبعده، وكان هو يعارض قول ابن عباس وفتواه، كما رُوِيَ في الخبر الصحيح أنه خالف ابن عباس في عِدَّةِ الحامل المُتَوَفَّى عنها زوجها حيث حكم ابن عباس بأبعد الأجلين، وحكم هو بوضع الحمل، وكان سلمان يستفتي منه، فهذا - أَيْ

.

<<  <   >  >>