للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨ - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن ما كان يفعله أبو هريرة - وكذلك كان يفعل غيره كأنس ومعاذ وعبد الله بن عمر - من روايتهم عن أكابر الصحابة ثم إسناد هذه الرواية إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن هذا تدليس من أبي هريرة ثم ساق أقوال علماء الحديث في التدليس والمُدَلِّسِينَ.

وهذا لممري تدليس - بالمعنى اللغوي - قبيح من أَبِي رَيَّةَ!

إن رواية الصحابي عن الصحابي وإسناده إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تسمى «تدليساً» وإنما تسمى «إِرْسَالاً» وبإجماع علماء الحديث إن مُرْسَلَ الصحابي مقبول لأن الصحابي لا يروي عن صحابي، والصحابة كلهم عدول، واحتمال أن يروي الصحابي عن تابعي غير وارد ولامعقول، ولذلك قبلوا بالإجماع ما رواه الصحابي عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو كان يرويه عن صحابي آخر.

فَادِّعَاءُ أَبَي رَيَّةَ أن هذا تدليس وَنَقْلِهِ ما قاله العلماء عن التدليس وَالمُدَلِّسِينَ إنما هو التدليس بمعناه الصحيح، ولئن كان التدليس في علم الحديث بمعناه المصطلح عليه عندهم لاَ يُسْقِطُ صاحبه عن رتبة العدالة ولا الثقة، وكان من المُدَلِّسِينَ كبار أئمة الحديث، فإن تدليس أَبِي رَيَّةَ يسقطه عن رتبة «العُلَمَاءِ المُحَقِّقِينَ» وينتزع الثقة بفهمه بعد انتزاع الثقة بأمانتة .. وهكذا يتهافت المُبْطِلُ ويكثر عثاره ..

وما نقله عن شُعْبَةَ نَصٌّ مُحَرَّفٌ في الطباعة ولا يمكن أن يكون أصله صحيحاً ولم يرد عن إمام من أئمة انحديث ويستبعد أن يقوله طالب علم مبتدئ فضلاً عن إِمَامٍ كَشُعْبَةَ.

٩ - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَوَّغَ لنفسه أن يكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بانه ما دام لا يُحِلُّ حَرَاماً ولا يُحَرِّمُ حلالاً فإنه لا بأس بذلك، واستشهد لزعمه هذا بأحاديث رُوِيَتْ عن أبي هريرة مرفوعة إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل: «إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلاَلاً، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى فَلاَ بَأْسَ» ومثل: «مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا هُوَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رِضىً، فَأَنَا قُلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قُلْتُهُ».

<<  <   >  >>