للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا من الكذب والبهتان .. فقد تَقَصَّى كل ما قيل عن أبي هريرة حتى من الكتب التي ليست لها قيمة علمية، فما الذي قصر به شأوه عن تتبع أبي هريرة هنا؟

على أنا نقول كلمة مجملة في موضوع رَدِّ بعض الصحابة على أبي هريرة: إن أبا هريرة كان يفتي بظاهر ما يعلمه من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير تأويل وكان بعض الصحابة يخالفونه فيما يفهم من ذلك الحديث فيردون عليه «فتواه» لا «حديثه» وهذا وقع كثيراً بين الصحابة بعضهم مع بعض، وَقَعَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وابن مسعود وابن عمر وأبي موسى وعائشة ومعاذ وغيرهم. يعلم ذلك من تتبع أخبارهم، وقد أفرد ابن عبد البر لذلك فَصْلاً في كتابه "جامع بيان العلم " كما ذكرنا وما زال أهل العلم يَرُدُّ بعضهم على بعض من غير أن يكون ذلك طَعْنًا من بعضهم في صدق بعض أو دينه أو أمانته.

وقد ذكر ابن القيم في " إعلام الموقعين " وغيره كذلك أن أبا هريرة كان من المفتين من الصحابة وقد جمع بعضهم جزءاً كبيراً في فتاويه.

٧ - وبعد أن افترى أَبُو رَيَّةَ ونقل المفتريات عن الصحابة في تكذيب أبي هريرة انتقل إلى رواية غير صحيحة عن أبي حنيفّة بأنه كان لا يأخذ بأحاديث أبي هريرة.

ونحن نجزم قطعاً بأن هذه الرواية عن أبي حنيفة غير صحيحة، فالفقه الحنفي المأثور عن أبي حنيفة نفسه مليء بالأحكام التي لا مستند لها من الأحاديث، إلا أحاديث أبي هريرة، وأما نقله عن فقهاء الحَنَفِيَّةِ بأنهم يعتبرون أبا هريرة غير فقيه، فهذا نقل رجل لم يَشُمَّ رائحة العلم والفقه، وقد حَقَّقْنَا القول في رَدِّنَا على أحمد أمين أن فقهاء الحَنَفِيَّةِ متفقون على فقاهته إلا مثل عيسى بن أبان ومن وافقه (١).


(١) لشمس الأئمة السرخسي بحث واف في هذا الموضوع يَتَبَيَّنُ منه إجلال أئمة الحَنَفِيَّةِ لأبي هريرة واعترافهم به بالعدالة والضبط والحفظ.

<<  <   >  >>