للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس التخويف.

وإنه ليؤكّد أن الإيحاء ذو نصيب كبير في الصورة البصرية، يقول: «ليس الحسّ وحده هو الذي يجمع بين المشبّه والمشبّه به، ولكنه الحسّ والنّفس معا، بل إن للنفس النصيب الأكبر والحظّ الأوفى» «١». ولم يكن هذا بعيدا عن تملّي القدامى.

ولا بأس أن نورد ما ذكره حول تشبيه القلوب بالحجارة في قوله عزّ وجلّ عن اليهود: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً «٢»، يقول بدوي: «ويجعل القرآن في الحجارة المثال الملموس لقسوة قلوب اليهود، ويبعدها عن أن تلين لجلال الحقّ وقوة الصدق، ألا ترى أنّ القسوة عند ما تخطر بالذّهن تخطر إلى

جوارها الحجارة الجاسية القاسية» «٣».

وألمح بدوي إلى ظاهرة فنية في القرآن، وهي إحكام الصورة البصرية بتفصيل الحديث عن المشبّه به، وذلك بالصفة أو بغيرها، يقول: «ولم يكتف القرآن في تشبيه الجبال يوم القيامة بالعهن، بل وصفه بالمنفوش وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ «٤»، للدّقة في تصوير هشاشة الجبال» «٥».

وهذا النهج الفني كفيل بأن يجعل الصورة كاملة العناصر في نفوس القراء، وأدعى إلى التأثير في الفكر والوجدان على السّواء.

ولا بأس أن نذكر بعض الآيات لتكون مصداقا لهذا الإحكام الذي ذكره بدوي، قال تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «٦»، وقال عز وجل:


(١) بدوي، أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ ١٩٢.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٧٤.
(٣) بدوي، من بلاغة القرآن، ص/ ١٩٤، وانظر عتر، بيّنات المعجزة الخالدة، ص/ ٢٧٩.
(٤) سورة القارعة، الآية: ٥، العهن: الصوف الملوّن المندوف.
(٥) بدوي، من بلاغة القرآن، ص/ ٢٠٠، وانظر، زرزور، عدنان، القرآن ونصوصه، ص ٣٠٤، وشرف، حفني، الإعجاز البياني، ص/ ٣٣٨.
(٦) سورة الفيل، الآية: ٥. العصف: ورق الزرع.

<<  <   >  >>