للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد حاولنا تقديم مصداق لوجود هذه الجمالية من خلال ما هو صادق مبرّر عند الباحثين، وقد حاولنا تقديم التبرير من خلال طبيعة الأصوات، وهناك ما كان متوهّما تمخّض عن إسقاط نفسي لدى الباحثين مما يحدو بهم إلى المبالغة أو الاستكناه، وهذا ما نرفضه في دراسة القرآن دراسة علمية منهجية.

إن المفردات القرآنية المصوّرة بأصواتها بحاجة شديدة إلى دراسة صوتية معيارية، فإذا كانت مستورة خفيّة، فإن الذوق العادي يمرّ بها عابرا، وتحتاج إلى ذوق ودربة وثقافة صوتيّة.

ويطيب لنا في ختام هذه الفقرة أن نورد رأي درويش الجندي الذي يعضد رأينا في شفافية رمز الموسيقا القرآنية، فقد قال: «وإذا علمنا أيضا أن موسيقا القرآن الكريم أحد عوامل البيان والوضوح في تصوير المعاني، وإبراز الأفكار، عرفنا الفرق الشاسع بين هدف الموسيقا هنا، وبين هدفها في الرمزية الأوروبية، إذ كانت تهدف من وراء الموسيقا الإيحاء المبهم الغامض الذي يتحقق في جو موسيقي تكون فيه الأنغام هي الناطقة فقط، مع تعمّد كتم أنفاس الوسائل الأخرى التي تعين على الإبانة والإفصاح، لتحقيق الغموض المنشود» «١».

فالقصد في القرآن ليس فنا خالصا، كما هي الحال في بعض الأدب إذ تكون الكلمات غمغمات وتأوّهات فارغة، ذلك لأن الغموض فيه رغبة منشودة، وهذا أدعى إلى العبث والفوضى، وتعالت كلمات الله عن هذا الإسفاف، فالقرآن كتاب أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ «٢».

وفيه تتكاتف الجزئيات لأجل الوضوح والتأثير الأقوى.

ولم تستعص كلمات هذا الكتاب على كل من قدّم جهدا فكريا في تفسير معانيه، كما لم تتخفّ معالمه الجمالية على كل متذوّق عالم، قال تعالى:


(١) الجندي، د. درويش، ١٩٥٨، الرمزية في الأدب العربي، ط/ ١، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، ص/ ١٩٣.
(٢) سورة هود، الآية: ١.

<<  <   >  >>