للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ «١»، وقال: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا «٢».

ولا بد من إبعاد حتمية الأونوماتوبيا كما يتصوّر بعض الدارسين، فإنّ صفات الحروف تختلف من مكان إلى آخر، ولكلّ حرف خمس صفات من الصّفات المتضادّة، ومن الصّفات القوية: الجهر والشّدة والانطباق والقلقلة، ومن الصفات الضعيفة: الهمس والرخاوة والاذلاق واللين، وأقوى الحروف هو الطاء، لأنه يضم ست صفات قوية.

لذلك يجب أن نكتفي بمناسبة الأصوات للمواقف ومساعدتها على تجلّي المعاني، وليس المطابقة الكلية كما في نظرية المحاكاة، وعلى الدارسين أن يحذوا حذو ابن جني الذي أطلق على هذه الظاهرة الإمساس والمصاقبة أي المقاربة، وأن يكتفوا بمعرفة صفات الحروف، وقدر ملاءمتها للموقف في الآية، وخصوصية الصّفة النّغميّة للحرف لارتباطه بحركة ما، واتصاله بحروف معيّنة، فالكاف مثلا من حروف الهمس، وكذلك من حروف الشّدة، وتبرز صفة معيّنة لاعتبارات خاصّة «٣»، ولقد مرّ بنا كيف دلّ بعض الدارسين على مواطن تساعد على إبراز الشّدة أو اللين في التشكيل اللغوي في المفردات، وهذا كان يعني النظر في طبيعة الحروف وكذلك المدود والحركات، مما جعل مشاركة الشّكل للمضمون واضحة.

ولا بد من أن نختم هذا الفصل بالاستنتاجات الآتية:

١ - إن الانسجام بين أصوات القرآن يحتكم إلى سهولة تلقّيها في السمع، وسهولة نطقها، وهذا يحتكم أيضا إلى صفات الحروف، لا إلى مخارجها في جهاز النطق.

٢ - يعتمد جمال المفردات الطويلة على التشكيل الداخلي فيها، وتوزع الحركات والمدود، وملاءمة الموقف بهذا الطول، وهذا ما لفت النظر إليه


(١) سورة القمر، الآية: ١٧.
(٢) سورة مريم، الآية: ٩٧.
(٣) انظر مثلا ابن عبد الفتاح القارئ، قواعد التجويد، ص ٤٠ - ٥٠.
وابن جني، عثمان أبو الفتح، سرّ صناعة الإعراب: ١/ ٥٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>