للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مدّ الأطراف، وبسطها، وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرّك، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنّهنّ صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السّابح» «١».

ونستطيع أن نقول بعد ملاحظته دلالة الاسم والفعل: إن طول المدّين في «صافّات» يمثّل بسط الأجنحة، وتمثّل الوقفتان في «يقبضن» التحرك الطارئ، وزمن المدّ أطول من زمن التحرك في الطيران، وفي المفردتين.

وهكذا نتبين أن الزمخشري لا يكتفي بجوانب النّظم، بل يلاحظ بذوقه جزئيات النّظم، ويشدّ الانتباه إليها، وفي هذا يقول درويش الجندي: «إن الزمخشري يختلف عن عبد القاهر في كونه بالإضافة إلى نحويّته لغويا شديد الحساسية باللغة، عارفا بالفروق الدقيقة في بنيات النظم فوق تحليله البلاغي للتراكيب النّحوية» «٢».

ومثل هذا واضح في تفريقه بين طاهرة ومطهّرة في الآية الكريمة: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ «٣» فهو يقول: «فإن قلت: هلّا قيل طاهرة؟ قلت: في «مطهّرة» فخامة لصفتهنّ، ليست في طاهرة، وهي الإشعار بأنّ مطهّرا طهّرهنّ، وليس ذلك إلّا الله عزّ وجلّ» «٤».

وهذا واضح من الصّيغة الصّرفية، فكلمة «مطهّرة» تدلّ على التعدية، أما «طاهرة» فتدلّ على اللزوم.

إن التذوق الشخصي لدى الزمخشري قد يبتعد به أحيانا عن الصواب، ومن هذا وقفته التي هي أعلق بالنظم لدى تفسيره للآية: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ «٥»، فهو يقول عن تنكير حياة: «أراد حياة مخصوصة، وهي


(١) الزمخشري، الكشاف: ٤/ ١٣٨، وانظر النسفي، مدارك التنزيل: ٤/ ٢٧٧، وأبو السعود، إرشاد العقل: ٩/ ٨.
(٢) الجندي، د. درويش، ١٩٦٩، النظم القرآني في الكشاف، ط/ ١، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، ص/ ٢٧.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٥.
(٤) الزمخشري، الكشاف: ١/ ٦٢، وانظر النسفي: ١/ ٣٥، وأبو السعود: ١/ ٧٠.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٩٦.

<<  <   >  >>