للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحياة المتطاولة .. لأن معنى أحرص الناس أحرص من الناس» «١».

ونجد أن تعليله لا يناسب المقام، فلا يكون ذمّهم في طول الحياة، ويمكن أن نجد إيحاء هذا التّنكير عند ضياء الدين عتر، إذ يقول: «يورد الكتاب المبين الألفاظ موارد حسّاسة، فلا تراها قاصرة على المعنى المتبادر منها للبال عادة، بل تتّسع دلالتها حتى توحي بمعنى أجلّ وأدقّ، خذ كلمة «حياة» أنت تشعر بأن كلمة «حياة» قد عبّرت بدقّة مرهفة عن حرص أولئك اليهود على أدنى قدر ممكن من الحياة، ومهما كان يسيرا خاويا من أية قيمة كريمة، فأثار ورودها بالتنكير معنى التحقير، وأفادت بالتالي أنّ

اليهود أشدّ حرصا على الحياة المتطاولة من باب أولى، فعبرت كلمة «حياة» في هذا المورد بآن واحد عن ضآلة قيمة الحياة الدنيا، وشدّة تكالب اليهود عليها» «٢».

فالزمخشري فهم طول الحياة فقط، وتبعه في هذا الفهم من نقل عنه «٣»، مثل النسفي «٤» وأبو السعود.

ويستخلص الزمخشري من الآية الكريمة: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «٥» مفهوما دينيا، إذ يقول: «لم خصّ الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ قلت: في الاكتساب اعتمال، فلمّا كان الشرّ مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه، وأمّارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولمّا لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال» «٦».

فإذا كانت صيغة «اكتسب» تدلّ على الاعتمال الذي يناسب الشر، فإننا


(١) الزمخشري، الكشاف: ١/ ٢٩٨.
(٢) عتر، د. حسن ضياء الدين، بينات المعجزة الخالدة، ص/ ٢٥٣.
(٣) انظر تفسير النسفي: ١/ ٦٣، وتفسير أبي السعود: ١/ ١٣٢.
(٤) هو أبو البركات عبد الله بن أحمد النّسفي نسبة إلى نسف بالهند، فقيه حنفي، توفي في أصبهان سنة ٧١٠ هـ، له مصنفات جليلة منها تفسيره «مدارك التنزيل» و «كنز الدقائق» في الفقه، و «المنار» في أصول الفقه وغيرها، وانظر الأعلام: ٤/ ١٩٢.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٢٨٦.
(٦) الزمخشري، الكشاف: ١/ ٤٠٨.

<<  <   >  >>