للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكاف، ولم تحتكم إلى عادة الاستعمال اللغوي هنا.

ومن شواهده على أنّ المضمون مسخّر لأجل الشكل قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى «١»، يقول: «يراد به فأغناك وآواك فجرى على طرح الكاف، لمشاكلة رءوس الآيات، ولأن المعنى معروف» «٢».

وهو لا يوضّح هنا تعاضد الشكل والمضمون، كما أنه لا يشير إلى جمال هذا التنغيم الذي هو علّة الحذف، ولا يعطيه حقّه من التّبيان والتعليل، وكأنه يريد أن يرجّح العلة الشكلية فحسب.

لم يكن الفراء وحده آخذا بهذا الرأي، وجاهدا في الدفاع عن سبب الشكل في الحذف في مثل هذه الكلمات، فهناك النيسابوري، والفخر الرازي «٣».

وقال السيوطي: «ألّف الشيخ شمس الدين بن الصّائغ الحنفي كتابا سماه «إحكام الرأي في أحكام الآي» قال فيه: اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول» «٤»، ومن هذه الأحكام صرف ما لا ينصرف، وحذف المفعول، وغير هذا.

ويرى أحمد حسن الزيات أن «وجود الازدواج والسجع في القرآن الكريم في حالة تجوز لبعض الصيغ والألفاظ، ما يقطع بلزومه في البيان العربي، فأعجاز النخل مرة «خاوية»، ومرة «منقعر» «٥».

ومن الحيف أن يكتب هذا في مستهل القرن العشرين، وقد مضت قرون على نظرة الفراء، وجهد القدامى في تأكيد تمكّن الفاصلة، واستقلال كلّ صيغة بمعنى، ويعدّ ما ذكروه دراسات جمّة تردّ على الفراء بأن تمكّن الفاصلة بعيد


(١) سورة الضّحى، الآية: ٦.
(٢) الفراء، يحيى بن زياد، معاني القرآن: ٣/ ٢٧٤.
(٣) انظر عبد الرحمن، د. عائشة، الاعجاز البياني للقرآن، ص/ ٢٤٩.
(٤) السيوطي، جلال الدين، الاتقان: ٢/ ٢١٤، وانظر السيوطي، معترك الأقران:
١/ ٣٢. ولم أجد تعريفا بهذا الكتاب في كشف الظنون وذيله، ويعرف ابن الصائغ في حاشية مقبلة.
(٥) الزيات، أحمد حسن، دفاع عن البلاغة، ص/ ٤٧.

<<  <   >  >>