للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن مجرّد المناسبة اللفظية.

وقد كانت حجّة الزيات أن الله عزّ وجلّ يقول في سورة القمر: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ «١»، وفي سورة الحاقة يقول: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «٢»، والمقصود بهذا التشبيه واحد، يقول المبرّد في مخطوطة المذكر والمؤنث: «ليس في إحدى الآيتين رعاية للفاصلة، وما أغنى القرآن عن رعايتها لو أدخلت على المعنى، وإنما قصد جنس النخل في التذكير، وأريدت جماعته في التأنيث، وبكلتا الصيغتين نطقت العرب، وعلى كلتيهما بنت تصرّفها في الكلام» «٣».

هذا من جهة التذكير والتأنيث أما اختلاف نعت أعجاز النخل مرة خاوية ومرة «منقعر» فإننا نجد أن كلمة «خاوية» معناها ساقطة، وقد ناسبت هذه الفاصلة ما قبلها دون «منقعر» في هذا المقام، لأن القوم صرعى ألقت بهم الريح العاتية على الأرض، كما ألقت بأركان بيوت القرية في قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها «٤»، فهنا يقصد مجرد السقوط، وعند ما قصد البيان الإلهي خفّتهم أمام قوة الريح ذكر كلمة «منقعر»، وفي هذا يتضح التمكن في أقصى غاياته.

ونحسّ في تفصيلات الزمخشري دفع تهمة السجع، وذلك من خلال نظرية النظم، وهو يصرح بهذا قائلا: «لا تحسن المحافظة على الفواصل لمجردها إلّا مع بقاء المعنى على سردها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه .. وبني على ذلك أن التقديم في وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ «٥»، ليس لمجرد الفاصلة، بل لرعاية الاختصاص» «٦».

فهو يثبت أن التقديم كان لأهمية ما يوقن به المرء في الدرجة الأولى، ويأتي


(١) سورة القمر، الآية: ٢٠.
(٢) سورة الحاقّة، الآية: ٧.
(٣) الصالح، د. صبحي، دراسات في فقه اللغة، ص/ ٨٧.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٥٩.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٤.
(٦) الزمخشري، محمود بن عمر الكشاف: ١/ ١٣٧.

<<  <   >  >>