للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترنيم الواو والنون في الدرجة الثانية.

والمحدثون لم يميلوا إلى جانب سيطرة الشكل على المضمون، فهم يعترفون برنة الفاصلة من حيث هي قرار موح، وترجيع رائع، ولكن هذا مرتبط أشدّ الارتباط بالمعنى، فأحمد بدوي يقول: «فإنك لتجد أن الفاصلة القرآنية كالقافية الشعرية، وتزيد الفاصلة على نظيرتها بشحنة المعنى، ووفرة النّغم، والسعة في الحركة» «١».

وقد حاولت عائشة عبد الرحمن جاهدة الردّ على الفراء الذي قال بعلّة السجع في وجود الفاصلة، وكان اختيارها لتفسير قصار السور مناسبا، لأن الفراء فسّر مقولته بشواهد من السّور القصار.

ومعيارها الاستخدام الصحيح للغة، والأسلوب الخاص للبيان القرآني من خلال اطّراد صيغ ما، فلا يوجد إسقاط نفسي يدعو إلى الأخذ به، أو إلى رفضه، بل اللغة الصحيحة التي تعلّمنا الفروق الدقيقة هي المتحكم، وفي كل وقفة لها نقع على احتراز من توهم المراعاة الشكلية للفواصل.

وتقول في الآية الكريمة: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ «٢»: «لم يعدل فيها عن الكريم إلى الأكرم لمجرد رعاية الفاصلة، ولا قصد بها المفاضلة بين أكرم وكريم، على ما تأوّله المفسّرون، فالغاية من صيغة أفعل هي أبعد ما يكون من التصوير».

وهذا ما تراه أيضا في اسم الأعلى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «٣»، تقول:

«وإنّما القصد المضيّ بالعلوّ إلى نهايته القصوى بغير حدود ولا قيود» «٤».

وهي تنظر في صيغة الفاصلة، وتبحث عن نظائرها محافظة على أسلوبها الشمولي، ففي الآية: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى «٥» تقول: «واستعمال العسرى


(١) بدوي، د. أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ ٨٩.
(٢) سورة العلق، الآية: ٣.
(٣) سورة الأعلى، الآية: ١.
(٤) عبد الرحمن، د. عائشة، البيان في الإعجاز، ص/ ٢٥٣.
(٥) سورة الليل، الآية: ٧.

<<  <   >  >>