للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ «١».

ونظير هذا ما ورد عند تملّي الزمخشري جمال آيات سورة الأنعام، فهو يقول عند الآية: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ «٢»، وعند الآية التي تتلوها قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ «٣»: «فإن قلت: لم قيل: «يعملون» مع ذكر النجوم، و «يفقهون» مع ذكر إنشاء بني آدم؟ قلت: كان إنشاء الإنس من نفس واحدة، وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدقّ صنعة وتدبيرا، فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنة وتدقيق نظر مطابقا له» «٤».

ومن هذا جاءت تسمية تفاصيل التشريع الإسلامي فقها، لأنه يعتمد الفهم لدقائق الأمور، مما يحتاج إلى دقّة وفهم واسع، كذلك فقه اللغة، والزمخشري لا يتعرض هنا للجانب الموسيقى، فكلا الفاصلتين على الواو والنون، وهو الأكثر في القرآن.

يضع ابن أبي الإصبع أمثال هذه الشواهد تحت عناوين متعددة هي التوشيح، أي دلالة أول الكلام على آخره، والتصدير الذي هو في الشعر ائتلاف القافية مع سائر كلمات البيت، والإيغال الذي هو تتميم المعنى، وما قد ذكره الزمخشري نجده تحت عنوان «التخيّر» فالتذييل ينتهي بقوله تعالى: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ «٥» وهو يقول: «إن نفس الإنسان وتدبّر خلق الحيوان أقرب إليه من الأول، وتفكّره في ذلك مما يزيده يقينا في معتقده الأول، وكذلك معرفة جزئيات العالم من اختلاف الليل والنهار، وإنزال الرزق من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح تقتضي رجاحة العقل ورصانته» «٦».

وقد امتاز الخطيب الإسكافي والزمخشري بصفاء الذّهن والترفّع عن التعلّق


(١) سورة النّحل، الآية: ١.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٩٧.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٩٨.
(٤) الزمخشري، محمود بن عمر، الكشّاف: ٢/ ٣٩، وانظر تفسير أبي المسعود:
٣/ ١٦٦.
(٥) سورة الروم، الآية: ٢٤.
(٦) ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير، ص/ ٥٢٨.

<<  <   >  >>