للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمصطلحات والتفريعات، كما صنع ابن أبي الإصبع، إذ كان يردّد الشواهد نفسها تحت عنوان آخر، على الرغم من إدراكه جمالية تماسك آيات القرآن.

وهو يستشهد للتّصدير ببعض الآيات، ومن شواهده قوله تعالى: قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ «١» ..

ويعلق على هذا التذليل قائلا: «إنّ هذه الآية الكريمة لما تقدم فيها ذكر العبادة والتصرف في الأموال، كان ذلك تمهيدا تاما لذكر الحلم والرّشد، لأن الحلم: العقل الذي يصحّ به التكليف، الرّشد حسن التصرف في الأموال» «٢».

إنه يستعين بما يعرف في الشرع عن التكليف، وحقّ التصرف في الأموال، ويمكن أن يضاف هنا بعد التهكّم في الكلمتين.

ويستشهد للتّوشيح بقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ «٣»، ويعرّفه قائلا: «سمّي هذا الباب توشيحا، لكون أوّل الكلام يدلّ على لفظ آخره، فيتنزّل المعنى منزلة الوشاح، ويتنزّل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح اللذين يجول عليهما الوشاح» «٤».

ونحن لا نرى هذا الفرق الذي يحدو به على تخصيص مكان للتوشيح، وآخر للتّصدير، فكلاهما يعني العلاقة القوية بين الأوّل والآخر، وكان يكفي الحديث عن التمكن من غير هذه التفريعات، إلا أن هذه التفريعات لا يخلو مضمونها من نظر ثاقب وتذوق رفيع مبدع.

ويتبع السيوطي خطا ابن أبي الإصبع، وينقل رأيه قائلا: لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء: التمكين والتصدير والتوشيح والإيغال» «٥».

ثم ينقل شواهده مع اختصار التّعليق الفني، وبعد هذا يذكر ما يحصل من


(١) سورة هود، الآية: ٨٧.
(٢) ابن أبي الإصبع، تحرير الحبير، ص/ ٢٢٤.
(٣) سورة يس، الآية: ٣٧.
(٤) ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير، ص/ ٢٢٨.
(٥) السيوطي، جلال الدين، معترك الأقران: ١/ ٢٣.

<<  <   >  >>