للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لفظه، ويباريه في معانيه ... وليس بأن يتحيّف من أطراف كلام خصمه، فينسف منه، ثم يبدّل كلمة مكان فيصل بعضه ببعض وصل ترقيع وتلفيق» «١».

وهو ينطلق من الواقع الأدبي لاستخدام الكلمة وتركيب الكلمات.

ونحن لا نطلب منه أن يقول مسيلمة بشر، والقرآن كلام الله، وعلى أية حال، فالقرآن توحيد وتشريع وحقائق كونيّة لا تقرن بهذيان من انبهر بالشكل، فقلّده في حركة يائسة، وبدّل كلمات الإيقاع الموسيقى الذي اتسمت به السّور المكية القصار خاصة، وظن أن الأمر سهل التناول والإحاطة به كما يوسوس له، كأن يقول: «الفيل وما الفيل وما أدراك ما الفيل ... إلى آخر هذا الإسفاف.

ويعلّق الخطّابي على خطله في استخدام هذا النظم من وجهة نظر مضمونية: «أما علمت يا عاجز أن مثل هذه الفاتحة، إنما تجعل مقدمة لأمر عظيم الشأن فائت الوصف متناهي الغاية في معناه، كقوله تعالى: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ، وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ «٢»، وهنا يظهر معنى الترقيع، وإنها لخطوة مباركة من الخطّابي، لم نجدها عند من تلاه.

ومن مظاهر سبر الأغوار عند الخطّابي تمحيصه استخدام مسيلمة العابث للمفردة، وقد فنّده الخطّابي بموضوعية، فهو ينقد قوله: «ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى» فيقول: «فإنّ أول ما غلط به هذا الجاهل، أنّه وضع كلمة الانتقام في موضع الإنعام .. وإنما تستعمل هذه الكلمة في العقوبات ونحوها، وإنما وجه الكلام مما رامه من المعنى أن يقول: «ألم تر إلى ربك كيف لطف بالحبلى» «٣».

فكلمة «فعل» تعبر عن التهديد والعقوبة كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ «٤»، وقد وردت في ذكر عاد وثمود وفرعون، وإلى


(١) الخطابي، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٥٣.
(٢) سورة الحاقّة، الآية: ١ - ٣، والخطابي، ثلاث رسائل، ص/ ٦١.
(٣) الخطّابي، ثلاث رسائل، ص/ ٦٣.
(٤) سورة الفيل، الآية: ١.

<<  <   >  >>