للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاني الشدة والرحمة، التهديد والتّلطّف، وسيتضح هذا في مكانه من البحث.

ونستطيع أن نجزم بأن المحدثين الذين تنبّهوا إلى تجسيد الأصوات للمعاني، ما استطاعوا الاستفاضة فيه لولا تعليق القدامى على جزالة الألفاظ ورقّتها، وبحوثهم في فقه اللغة والتجويد، حيث قسّموا المخارج، وبيّنوا صفات الحروف، فهي مطبقة وشديدة ورخوة وهامسة، حيث قسّموا المخارج، وبيّنوا صفات الحروف، فهي مطبقة وشديدة ورخوة وهامسة، بل أسهبوا في كيفية خروج الصوت حتى يصبح حرفا بدءا من الحلق حتى الشفاه، كما صنع ابن سنان وابن جني وغيرهما، وسوف نعتمد دراستهم في بسط تحليلات المحدثين والقدامى لموسيقى الألفاظ، وتفسير هذا من خلال فقه اللغة.

وهناك رأي طريف لا بد من ذكره، للطيب المجذوب، في عدم استخدام القدامى لمصطلح «الجرس» واستعمالهم مصطلح «الفصاحة» بدلا منه، وهو يؤكد أن الرادع الديني هو السبب، فقد قال: «ومن العجيب حقا، أن النقاد، وهم يشملون دارسي الإعجاز، ضلّ عنهم أن يستعملوا كلمة «الجرس» استعمالا اصطلاحيا، وهي أولى من كلمتهم «الفصاحة» وأحسب أن للدّين يدا في هذا، فقد كانت الموسيقا والغناء، لولا تعشّق بعض العلية من الخلفاء والأمراء وبعض أهل الذوق من المتصوفة لها، بالمرتبة السفلى والحضيض الأوهد في نظر الناس» «١».

ومن الحيف أن نقبل بهذا التفسير النائي عن الحقيقة، ونرد عليه بأن المعجم يثبت أن الجرس لغة: صوت النحل وهو يرعى الزهور للتّعسيل، لذلك لم يستعمله القدامى، واستعملوا كلمات الليونة والفخامة، ويقول المعجم أيضا، سمعت جرس الطير يعني سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله» «٢».

ولعل هذا ما نفّرهم من استعماله، فقد رأى دارسو الإعجاز خاصة أنها لا تليق بدراسة القرآن. والجرس هو الصوت الخفي، أما الفصاحة فهي


(١) المجذوب، المرشد لفهم أشعار العرب: ٢/ ٣.
(٢) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط: ١/ ١١٧.

<<  <   >  >>