للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلوص كما فسّرها البلاغيون فالجرس لا يعني الفصاحة التي هي بيان، فقد يكون الجرس جميلا أو قبيحا. ولا علاقة له بالفصاحة، وتفسير المجذوب خاطئ.

أخيرا نقول إن جهود القدامى على إجمالها جديرة بالاهتمام، فنحن لا نطالبهم بما قدّمه عصرنا من فنون وثقافات، فلهم زمانهم ولنا زماننا، وإن الموسيقا القرآنية ذات مغزى، وهي جزء من الشكل الفني للقرآن إلى جانب الصورة البصرية وغيرها، وعلينا أن نهتدي بهدي القرآن الذي حثنا على تذوق موسيقاه، وما تبع هذا من السّنّة الشريفة، والفنون التي كشفت هذه المزايا الرفيعة التي شهد لها المؤمنون والمشركون بالمرتبة العليا كما مرّ بنا.

لقد رأينا أن نمهد السبيل إلى الفصول اللاحقة بهذه الفقرات التي تمثّل إطلالة على محتوى الفصول الأخرى، فبينّا في الفقرة الأولى إمكان تفرد الكلمة الواحدة بالجمال من خلال تفاعلها مع سائر كلمات السياق، فمنحناها الجزء الكبير من جمال التركيب على أنها الوحدة المشكلة له، وبيّنّا أنها تتسم في القرآن بعذوبة السمع والنطق، وبأنها غير قلقة في مكانها، وهذا ما سيؤكده دارسو الإعجاز والمفسّرون الذين تحدّثوا عن مناسبة المقام وحلاوة النغم في الوقت نفسه.

وهذا يتضح في صحّة العلاقة بين المفردة والنظم، كما جاء في الفقرة الثانية، وهنا لا بدّ من إنصاف عبد القاهر الجرجاني الذي بسط نظرية النظم، وإن لم تكن من إبداع فكره، بل سبقته بعض النظرات المتفرقة في كتب الإعجاز، وكان مفهوم النظم القرآني قبله يشمل الأسلوب القرآني بما فيه المفردات، أما عبد القاهر فقد بنى النظم على أسس النحو فأهمل المفردة، ويظلّ الفضل لهذا العالم الجليل الذي قدّم تطبيقا بلاغيا، وأرسى علم البلاغة العربية، ووضّح معالمها، وكانت الغاية الدينية دافعا قويا في كتابه «دلائل الإعجاز»، إذ كان حريصا على إبراز جماليات النظم القرآني، ولم يكن هدفه فنيا محضا، وقد كان النظم مناط الإعجاز القرآني لدى سابقيه، ولا سيما المعتزلة منهم.

<<  <   >  >>