تنقسم البدعة إلى: بدعة حسنة، وبدعة سيئة، وقد ذكر هذا التقسيم كثير من الفقهاء كما هو معلوم، وربما تسلسل بعضهم فقال: إن البدعة الحسنة قد تكون مباحة، وقد تكون مستحبة، وقد تكون واجبة، ويضربون لذلك بعض الأمثلة.
وهذا التقسيم فيما يظهر -والله تعالى أعلم- تقسيم خاطئ؛ لأن من قسم البدعة إلى: بدعة الحسنة وبدعة السيئة، يفسر البدعة الحسنة بأنها أمر سائغ، أو ما يُندب إليه بجملة عموم قواعد الشريعة ومصالحها، وهذا لا ينبغي أن يسمَّى بدعة؛ لأن كلمة (بدعة)، قضى الشارع عليه الصلاة والسلام أنها كلمة مذمومة في رسالته، فإنه كان يكرر على منبره:(أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة)، فلما قال الشارع عليه الصلاة والسلام: إن البدعة مذمومة، وقال:(كل بدعة ضلالة) وهذا لفظ عام، لم يسغ لأحدٍ من أمته من بعده أن يأتي ويقول: إن من البدع ما هو حسن.
وقد يتمسك بعضهم بكلمة لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة التراويح، حين قال لما اجتمع الناس عليها:(نعمة البدعة هذه)، مع أن عمر رضي الله عنه إنما سمى هذا العمل بدعة تسمية عارضة من باب اللغة، وفرق بين التسمية العارضة على معنى لغوي، وبين أن يلتزم هذا كتقسيم مطرد لتضاف هذه التسمية إلى البدعة الحسنة، وكأنها بمعنى البدعة المشروعة؛ لأنه إذا قيل: بدعة حسنة، فهل هي حسنة بالعقل، أم حسنة بالشرع؟ إن من يلتزم بهذا التقسيم لا بد أن يقول: إنها حسنة شرعاً، إذاً كأنه قيل: البدعة المشروعة، وهذا لا شك أن المسلمين ليسوا بحاجة إليه؛ لأنه يُشكل من وجهين:
الوجه الأول: أنه مخالف لعموم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وقبل ذلك هو مخالف للقرآن أيضاً، فإن الله تعالى قد ذكر البدعة على معنى الذم، قال تعالى:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}[الحديد:٢٧] إذاً: فلا يرد في مسائل التعبد بدعة وتكون محمودة، لأن الله تعالى قد ذكرها ذمَّاً وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ذكراً عاماً فقال:(وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
الوجه الثاني: أن هذا التقسيم أشكل على عوام الناس؛ لأن العاصي إذا قيل له: هناك بدع حسنة وبدع سيئة، ثم قيل له: هذه حسنة وهذه سيئة، أصبحت الأمور عنده غير دقيقة، وربما قال: إنكم تتحكمون فتجعلون هذه من الحسن وهذه من السيئ، ولماذا كانت هذه حسنة وهذه سيئة؟ بخلاف ما إذا قيل للعامة من المسلمين: إن الواجب هو الأخذ بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الابتداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(وكل بدعة ضلالة).
إذاً: هذا التقسيم وإن استعمله بعض أهل العلم، فليس من باب التراتيب العلمية السائغة؛ لأنه يعارض لفظاً نبوياً وسياقاً قرآنياً، فضلاً عما يتضمنه من الإشكال على العامة من المسلمين، وقد درج بعض المسلمين على بعض البدع المذمومة شرعاً لما سمَّاها بعض المترخصين بالبدعة الحسنة.