للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التسمية الرابعة: الإيمان]

إن الإيمان كلمة شرعية، أي: جاء ذكرها في كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما دام أنها كلمة شرعية، فإن مجرد ذكرها في القرآن على مثل هذا المقام، يكون كافياً في بيان أنها تسمية مناسبة صحيحة؛ بل شرعية.

ولكن المصنفين في هذه المسائل، يسمون ما يكتبونه في مسائل أصول الدين: الإيمان، ويقصدون به: الاسم الشرعي العام، الذي ذكره الله في مثل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١] وفي مثل قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله} [الأنفال:٢] والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله: (الإيمان أن تؤمن بالله، ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ...) الحديث، فيقصدون الإيمان، وتحت هذه التسمية تُذكر سائر مسائل الأصول العقدية.

ومن هذا تسمية الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه لكتاب الإيمان، فقد وضع كتابه: الصحيح في كتباً، ومن أوائل هذه الكتب: كتاب الإيمان.

ومقصود الإمام مسلم: أن يذكر تحت هذا الكتاب الأحاديث التي فيها تقرير مسائل أصول الديانة، سواء تعلقت هذه الأحاديث بمسألة العبودية والألوهية لله، أو تعلقت بصفات الله ورؤيته وعلوه ونحو ذلك، أو تعلقت بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكم أهل الكبائر من المسلمين، أو تعلقت هذه الأحاديث بما يتعلق بمسائل القدر ..

أو ما إلى ذلك، فكتاب الإيمان عند الإمام مسلم، لم يقصد به الرد على المرجئة، وأن يبين أن الإيمان قول وعمل فحسب، بل هو كتاب جامع.

وربما صنف بعض أهل العلم في هذه المسائل، وسمَّى ما صنفه بالإيمان، ويكون مقصوده: دراسة مسألة واحدة من مسائل أصول الدين، وهي مسألة: مسمَّى الإيمان.

وهذه المسألة هي أول مسألة حصل فيها نزاع بين أهل القبلة من المسلمين، فلما كان الصحابة ومن بعدهم يقولون: الإيمان قول وعمل، وظهرت المرجئة الذين يخرجون العمل عن مسمَّى الإيمان، وظهرت الخوارج الذين يبالغون ويُغلون في مسألة الإيمان، لما حدث ذلك صنف بعض الأئمة ما سمَّاه: كتاب الإيمان، ولم يكن مقصوده الكلام عن سائر مسائل أصول الديانة، وإنما الكلام عن مسألة واحدة وهي: مسمَّى الإيمان، وأنه قول وعمل، يزيد وينقص، وكيف يرد على المرجئة الذين أخرجوا العمل عن الإيمان ..

ونحو ذلك، ومن هنا سمَّى البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان.

ومن هنا يتبين الفرق بين تسمية الإمام البخاري، وبين تسمية الإمام مسلم، فمقصود الإمام البخاري بكتاب الإيمان: ذكر مسألة من مسائل الإيمان، وهي مسألة: أن الإيمان قول وعمل، والرد على المرجئة في ذلك، ومن يُلحق بهم ممن قابلهم من الوعيدية، أي: يلحق بهم إلحاق مخالفة، وأما الإمام مسلم فإنه قصد الشمول كما تقدم.

ومثل ذلك أيضاً: كتاب الإيمان لـ أبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب الإيمان لـ ابن أبي شيبة، إلى غير ذلك من المصنفات الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>