لقد ذكرت هذه الكلمة -أعني: كلمة الفقه- في القرآن، فقال الله سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا}[الأعراف:١٧٩]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما في الصحيح-: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فيُذكر هذا الاسم على معنى عام: وهو الفقه في دين الله.
وهذا يشمل الفقه في مسائل الشريعة وفروعها، ويشمل الفقه في مسائل أصول الديانة، وما يتعلق بأحكام الله سبحانه وتعالى والتشريعات والتدبر لأخباره، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، فهذا كله داخل في اسم الفقه العام الذي أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام.
ويذكر هذا الاسم على معنىً خاص، وهو الاسم الإضافي الذي يذكر مقارناً لجملة العلوم الأخرى، فيقال: علم الفقه، وعلم الحديث، وعلم التفسير
الخ، فإذا ذكر الفقه على هذا الاصطلاح -وهو المقصود هنا- فإنه يقصد به: المسائل الفرعية من الشريعة، بحيث تخرج أصول الشريعة؛ سواء كانت هذه الأصول مقدمات وهو ما يسمى بقواعد الشريعة، أو كانت هذه الأصول نتائج وهي ما يسمى بالاعتقاد؛ فإن الأحكام الكلية من النتائج المجمع عليها تعتبر من أصول الدين.
فإذاً يقصد بالفقه: ما يتعلق بمسألة الشريعة وفروعها، ولا يلزم من قولك: إنه يقصد بالفقه ما يتعلق بفروع الشريعة أن يكون هذا العلم لا يقصد به ذكر المجمع عليه، فإنك تعلم أن كتب الفقهاء فيها جزء كبير من مسائل الإجماع، ولكنها في باب التشريع، بمعنى أن هذا الباب يكون قدر منه قد أجمع عليه؛ كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس، أو حتى على بعض التفاصيل التي هي دون ذلك، وتجد أن أكثر هذا الباب إذا فُصلت صوره التي تُنزل على المكلفين أو تطرأ للمكلفين وجدت أن هذه الصور في الجملة تقصر عن مقام الإجماع المحقق.
فيكون المقصود بهذه التسمية الخاصة ما يتعلق بالعبادات والمعاملات؛ ولذلك ربما قيل: الفقه ينقسم إلى قسمين: العبادات والمعاملات، وإن كانت المعاملات تلحقها أبواب أخرى في تمام ونهايات كتب الفقه.
هذا أمر معروف، وهو مجرد مدخل واصطلاح في هذه المسألة.