[المسألة العاشرة: ما يضاف إلى مذهب السلف]
وهذه المسألة لها قدر من الأهمية:
فإذا قيل عن مسألة ما: من مذهب السلف كذا وكذا، فإنه يُفهم من هذا: أن هذه مسألة مدرجة في مسائل الأصول الأولى، وأنها مسألة مدرجة في باب السنة التي يقابلها البدعة.
ولكن، ألسنا نرى في تاريخ المسلمين وفي علمهم، أن المسائل: إما مسائل مجمع عليها، وإما مسائل مختلف فيها، كالمسائل التي اختلف فيها الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء؟
يقول ابن تيمية: (تحصيل مذهب السلف استُعمل فيه عند المتأخرين أحد طريقين ..
أما محققوهم فإنهم يُحصِّلون ما يسمونه مذهباً للسلف بالإجماع، فإما أن يكون هذا الإجماع قد نص عليه علماء الإسلام الكبار، وإما أن يكون الإجماع معروفاً، لكون هذه المسألة قد توافر قول الأئمة المتقدمين من السلف فيها ولم ينقل فيها مخالف)، فإذا انضبطت المسألة بالتواتر صح أن تنسب إلى مذهب السلف، مثال ذلك: قول البخاري: (لقيت أكثر من ألف عالم في شتى الأمصار، كلهم يقول: الإيمان قول وعمل).
فهذه المسألة لما تواترت بهذه الصفة، ونقل من نقل أنها إجماع، صح أن نقول: من مذهب السلف: أن الإيمان قول وعمل.
وهذا الطريق هو الذي عليه المحققون كما يقول ابن تيمية، وهو طريق المتقدمين من الفقهاء والمحدثين، أئمة أهل السنة والجماعة.
أما الطريق الثاني فقال عنه: (واستعمل بعض المتأخرين من الفقهاء، من المنتسبين للسنة، وبعض المتكلمين المنتسبين للسنة والجماعة أيضاً، استعملوا طريقاً آخر، فصار ما يحصلونه فهماً في مسائل الديانة، وهم لا يجدون فيه إجماعاً، يضيفونه إلى مذهب السلف؛ لأن السلف عندهم لا يخرجون عن الحق).
وهم ظنوا أن هذا الفهم يلزم أن يكون صحيحاً، فصاروا يضيفون بعض مسائل الخلاف والاجتهاد إلى مذهب السلف، فإذا قيل: هذا من مذهب السلف، فهم البعض أن ما خالفه يكون خروجاً عن مذهبهم، وخروجاً عن السنة والجماعة، إلى غير ذلك.
وهذا الطريق الثاني، الذي اعترض عليه ابن تيمية وأبطله، لا شك أنه باطل بديهة؛ لأنه لو كان ممكناً وسائغاً للزم أن كل فقيه ينتهي إلى نتيجة ما باجتهاده، فإنه يحكم على قوله بأنه مذهب للسلف، وهذا يستلزم تعارض مذهب السلف.
إذاً: طريق المتقدمين هو الأعلم والأسلم والأحكم.
والله منا ومنهم أعلم.
هذا ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدينا سواء السبيل.
والحمد لله رب العالمين ..