للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التقسيم الثاني]

وهو تقسيم شائع في كلام كثير من أهل العلم المحققين، يقولون: تنقسم البدع إلى: بدع الأحوال، وبدع العقائد، وبدع الأفعال، والأصل أنهم يقرنون بين البدع القولية والعملية دون البدع العقدية، فيقولون: بدع الأقوال والأفعال، فيجعلون لها نوعاً من الميزان، ويقولون: بدع العقائد، فنجد أن ابن تيمية مثلاً لما تكلم عن رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله - وأبو حنيفة إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، وإن كان قد أخطأ في مسألة مسمَّى الإيمان خطأً نقله عن حماد بن أبي سليمان وطائفة من فقهاء الكوفة، هذا هو الخطأ المضبوط في شأن الإمام أبي حنيفة، أما ما نُسب إليه في تاريخ بغداد، أو في السنة لـ عبد الله بن أحمد، من كلمات، بل بعضهم أضافوه إلى نوع من الزندقة، أو أنه كان قدرياً، أو يقول بخلق القرآن؛ فهذه كلها لا يصح منها شيء عن هذا الإمام، بل هو إمام من أئمة الفقهاء، وأئمة أهل السنة والجماعة، وإن كان أخطأ في هذه المسألة.

المقصود: أن الإمام ابن تيمية قال عن كلمة أبي حنيفة أو حماد بن أبي سليمان، لما قالوا: إن العمل لا يدخل في مسمَّى الإيمان، مع أنهم يوافقون جمهور الأئمة في بقية المسائل أو في أكثر المسائل، قال ابن تيمية: (وبدعة حماد هي بدعة عن السلف والأئمة، لكنها من بدع الأقوال وليست من بدع العقائد التي يُضلَّلُ فيها المخالف).

فكأنه أشار إلى أن البدع القولية والبدع الفعلية، شأنها دون البدع العقدية، وكأن هذا يتضمن: أن البدعة القولية والفعلية لا تؤدي في الغالب إلى خروج صاحبها عن السنة والجماعة خروجاً مطلقاً كلياً، بحيث لا يسمَّى سنياً، فضلاً عن أن يحكم عليه بما هو أشد من البدعة؛ كالكفر ونحوه.

إذاً: هذا التقسيم تقسيم صحيح، وصحته مأخوذة من جهة أنه اصطلاح على معنىً مناسب.

وقد يقول قائل: إنه يشكل على هذا التقسيم ما إذا أشير إلى أن البدع القولية والعملية أو الفعلية شأنها دون البدع العقدية، فإننا نرى مثلاً بعض الناس، يعملون أعمالاً عند القبور، وهذه الأعمال من البدع، ولا يمكن أن يقال: إنها من المسائل التي لا يُضلَّلُ فيها المخالف، مما يدل على أن مسألة البدعة الفعلية ليست فقط من هذا الوجه؟

والجواب: أن هذا السياق حينما نقول: بدع الأقوال والأفعال أو البدعة الفعلية، ليست العبرة بكون هذه البدعة في الجانب الفعلي أو الحركي الآدمي فتكون عكس المسألة الصورية النظرية، وقد سبق معنا: أن مسائل أصول الدين منها مسائل علمية ومنها مسائل عملية، وكذلك الفروع: منها مسائل علمية، ومسائل عملية، فمقصود ابن تيمية في بدع الأقوال والأفعال التي يقول: إنه لا يضلل مخالفها: هو ما لم يتضمن خروجاً عن أصل من الأصول، سواء كان هذا الأصل أصلاً عبادياً فعلياً أو أصلاً علمياً.

فعليه: من فعل بدعة عند القبور من البدع الفعلية المنكرة الكبرى، فإنه يقال: إنه أتى بدعة من البدع، حقيقتها أنها بدعة من بدع العقائد؛ لأن الاعتبار فيها بالمقصود القلبي الذي حرَّكه لهذا الفعل، وهو مقصود بدعي خارج عن أصول السنة.

إذاً: هذا التقسيم إذا فُقه على هذا الفقه فإنه يكون تقسيماً مناسباً، أو لك أن تقول: إنه تقسيم سهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>