المقصود بالملائم الخاص: الملائم لحال المستفتي، وفقه الملائمة فقه حسن، ولكنه فقه دقيق يقع فيه كثير من الغلط.
ومن أمثلة الملائم الخاص: طلاق السكران، ففي وقوع هذا الطلاق خلاف بين العلماء، فالبعض قد يقول: أنا أنظر في حال الزوجة، فإذا كان قد انضبط عنده قول، أي: ترجح عنده قول ترجحاً بيناً، فإن اعتباره بالملائم هنا ليس اعتباراً صحيحاً، بمعنى: إذا استقر عنده قول بالظهور من جهة الدليل، وتبين له ذلك تبيناً ظاهراً، فاعتباره هنا بجهة الملائم الخاص ليس صحيحاً؛ لأنه إذا كان قد استقر عنده وتبين له بظاهر الأدلة من السنة أن السكران يقع طلاقه أو أنه لا يقع طلاقه، فينبغي أن يكون إفتاؤه على هذا الوجه، وقد يسأل بعض الناس من الشخصيات الاجتماعية أحد العلماء عن طلاق السكران فيجيبه بأنه يقع طلاق السكران، أو بأنه لا يقع، مع أنه قد لا يكون من أهل العلم، وليس في ذهنه أن الطلاق يقع أو لا يقع، لكن كتطبيق اجتماعي يقول: نسأل الزوجة عن زوجها هذا الذي طلقها وهو سكران: كيف معاملته معهم؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي سكر فيها أم لا؟ ونحو ذلك من الأسئلة، يقول: فإن رأينا حالهم تحتاج إلى أن نبقيهم أبقيناهم، وإن كانت الحالة تحتاج إلى أن تنفصل عنه أمضينا الطلاق.
وهذا التردد غير صحيح؛ لأن هذه المسألة تتعلق بمسألة حل المرأة لزوجها أو لا، فإذا كانت قد طلقت فتكون قد خرجت منه، وقد يكون الطلاق بائناً وقد يكون غير بائن، وأنت تعتقد شرعاً وديناً أنها لا تزال حلالاً له، وأن ذلك من باب المصلحة.
مع أن الطلاق لا تراعى فيه قضية المصلحة، فإذا رأيت أو بان لك أن طلاق السكران يقع - مع أن الأولى أن يكون مرجع مسائل الطلاق إلى القضاء - فإذا بان لفقيه أو لناظر أو لطالب علم له كعب في الفتوى مع الناس أن طلاق السكران يقع، فهنا لا يجوز له أن يصرح بفتوى خاصة على خلاف ما يعتقد، يمكن أن يرد السائل إلى عالم آخر أو نحو ذلك، وأما أن يفتي بحسب الملائم الخاص وقد تبين، فإن ذلك اعتبار غير صحيح.
وقد يقول قائل: إنها فرصة للمرأة أنها تطلق من زوجها.
فنقول: إذا كنت تعتقد أنها لا تطلق، أو أن طلاق السكران لا يقع، حتى لو رأيت من شكوى المرأة أن الأولى لها المفارقة، فهنا ترشدها إلى ما قد تكون جاهلة له، وهو طلب الفسخ منه.
ومن المعلوم أن من النظريات التي تطعن في الإسلام: أن القرار في الزوجية بيد الرجل، مع أنه في الحقيقة ليس بيد الرجل وحده، فمن حيث البداية القرار بيد الاثنين؛ لأنه لابد من قبول المرأة وقبول الرجل، ولاسيما إذا قلنا -كما هو على مذهب كثير من أهل العلم - أن البكر تستأذن، فقد دخلوا في عالم الزواج برأي مشترك، والخروج منه يقولون: إنه بيد الرجل فقط بالطلاق، وهذا غير صحيح؛ لأنه يوجد في الفقه ثلاثة مصطلحات: الطلاق، والفسخ، والخلع، فالطلاق بيد الرجل، والخلع بيد المرأة، فإذا قام موجب الخلع الشرعي فإنها تخالع زوجها وتعطيه إما المهر فقط أو أكثر منه، على خلاف هل يجوز أن يزيد على المهر أم لا يجوز؟ والفسخ هو نوع من التدخل القضائي، فإذا كانت المرأة لا تستطيع أن تخالع، أو وصلت الأمور إلى مفاسد كبيرة بينهما، فطلبت الفسخ من هذا الزوج لكونه مثلاً اشتد في ضربها وأذاها، أو في جرها إلى أمر محرم؛ فإنها هنا تطلب الفسخ، ويتدخل القضاء الشرعي هنا بغير اختيار الرجل، فأصبح القرار شبه مناصفة - إن صح التعبير - بين الرجل والمرأة، فليس صحيحاً أن كل القرار بيد الرجل، وأن هذا يتيح له التسلط والظلم وما إلى ذلك.
إذاً: الترجيح بالملائم الخاص يكون صحيحاً معتبراً في بعض المسائل، ويكون غير صحيح ولا معتبر في البعض الآخر.