لقد تكلم العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة، وربما غلا بعض الفقهاء كـ أبي المعالي الجويني وأمثاله في إبطال قول الظاهرية، وأنهم لا يعدون من العلماء ولا من الفقهاء، وهذا فيه غلو وتكلف، بل الأصل أن قول داود بن علي قول معتبر، وأما آحاد مقالات الظاهرية فهل هي خلاف معتبر أو ليس معتبراً؟
يقال: كل مسألة من حيث الآحاد ينظر في مورد الإجماع المتقدم، وعلاقة هذه المسألة بالإجماع المتقدم، فإذا انفرد ابن حزم ببعض الرأي الذي ليس له فيه سلف، فيمكن أن يقال هنا: إنه لا يعتبر قوله، وأما إذا كان قول الظاهرية على أصل أو قول معروف عند المتقدمين، فهذا لا يسوغ إنكاره، والأئمة المتقدمون لم ينكروا جميعاً فقه داود بن علي، إنما أخذوا عليه، وإن كانوا أخذوا عليه فقد أخذوا على غيره، فقد أخذوا على أهل الرأي كثيراً؛ بل إن الإمام أحمد ترك بعض كلام إسحاق بن إبراهيم، مع أن الإمام أحمد من أقرب الناس إلى طريقة إسحاق، ومع ذلك قال: إنا نترك بعض الرأي من كلام إسحاق.
بل إن أبا عبيد ربما أثنى على بعض هذه الأقوال بشيء أكثر من ذلك، أي: الأقوال التي ذمها من ذمها.
فالمقصود: أنه لا يوجد عند المتقدمين إجماع على ترك فقه داود بن علي، فما تفرع عن الأصول المعتبرة التي لا تخالف الإجماع ولا الأصول فهو مقبول، وما كان شاذاً أو خالف الإجماع فيترك ويرد.