للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطرق التي يعرف بها صحة المعنى عند المتقدمين]

ما هي الطريقة الذي يعرف بها أن هذا المعنى صحيح عند من تقدم أو ليس صحيحاً؟ هناك طريقتان:

الطريقة الأولى: طريقة التنصيص: كأن يقال: هذا المعنى من العلم نص عليه الإمام ابن عبد البر، أو نص عليه ابن رجب، أو نص عليه ابن تيمية، أو نص عليه من قبل هؤلاء من الأئمة كـ مالك أو الشافعي أو أحمد، أو غيرهم، فهذا هو التنصيص المعين، ولا شك أنه يعرف به تقدم القول.

الطريقة الثانية: فقه الاستقراء: وهذه الطريقة هي منشأ كثير من الأقوال التي لا يوجد تنصيص عليها عند السابقين، كتنصيص كثير من الفقهاء على كلمات ما نطق بها بنصوصها أعيان من السابقين، لكن معانيها متضمنة وهذه هي درجة المحققين من أهل العلم، أنهم إذا استقرءوا تحصل لهم قدر من المعاني في أبواب من الشريعة، في الفقه وفي قواعد الشريعة ومقاصدها وما إلى ذلك، فهذا الاستقراء ينظمون به هذا المعنى الذي استقرءوه.

وننبه هذا إلى أن كتب الأصوليين فيها علم كثير، لكن بعد ظهور علم الكلام، ولما كتب المتكلمون في أصول الفقه على الطرق الكلامية، ظهر أثر علم الكلام على أصول الفقه، وإن كانوا في الاصطلاح يقولون طريقة الفقهاء عند الشافعية، وطريقة المتكلمين عند الحنفية، هذا نوع من التفريق، لكن الحقيقة أنه حتى كتب الشافعية متأثرة بعلم الكلام، والغزالي ممن أدخل علم الكلام إدخالاً بيناً على نظم أصول الفقه في كتابه المستصفى، وهذا لا يعني أن ما كتبه هؤلاء الأصوليون الذين يوصفون بأنهم من علماء الكلام -لا يعني أن جميعه ليس صحيحاً، أو أنه ليس نظرية ممكنة صحيحة في موارد كثيرة في مسائل تطبيق قواعد التشريع، هذا ليس كذلك، بل إن هذه الكتب تعد من أخص كتب الإسلام أو تاريخ الإسلام الذي كتب، فهي كتب علمية، لكن مع ذلك لا بد من بعض المراجعات لبعض هذه المسائل أو التراتيب التي اجتهد فيه من اجتهد من أهل الأصول المتأخرين -أعني المتكلمين منهم.

فالمقصود: أن هذه النظم لأصول الشافعي أو أصول أبي حنيفة أو أصول الإمام أحمد في نظم الأصول فيما كتب في كتب أصول الفقه، هل أكثرها منصوص عليه في كلام الأئمة كنظم قواعد؟ الجواب: منه ما هو منصوص عليه، ومنه ما حصله أصحابهم الأصوليون تحت فقه الاستقراء، وفقه الاستقراء يعد من أشرف الفقه، وإن كان كما قلت لا يستطيعه إلا فقيه محقق.

ولذلك نجد أنه يعوّل على كثير من هؤلاء المستقرئين فينقل عنهم، ونجد التعويل في بعض كتب أصول الفقه على كتب محددة وإلا فكثير منهم نقله، لكن المستقرئ الأول هو صاحب الامتياز، ففقه الاستقراء فقه صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>