للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعيين الدليل الفقهي]

-المعتبر الأول: تعيين الدليل الفقهي: هناك ثلاثة أدلة اتفق في الجملة على حجيتها الفقهية، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، وإنما قلنا: في الجملة؛ لأن مسألة الإجماع فيها بعض التقييدات عند بعض أهل العلم، لكن لك أن تقول: إن الكتاب والسنة والإجماع حجة بالاتفاق، حتى الذين يترددون في: متى يصدق الاجتهاد؟ وهل يمكن الاجتهاد بعد الصحابة أو لا يمكن؟ فإن هذه السؤالات لا تعود إلى التردد في الإجماع؛ بل إن الكل متفقون على أنه متى تحقق الإجماع فهو دليل لازم، ولا أحد يجادل في ذلك.

وبعض الأصوليين من المتكلمين يقولون: إن الإجماع فيه نظر، وهذا ليس بصحيح ..

نعم، هناك تردد في كيفية إثبات الإجماع، لكن لا يوجد فقيه يقول: إن الإجماع الذي تحقق ثبوته في نتيجته نظر، فإن هذا لم يقله ولم يلتزم به أحد من أهل العلم؛ لأنه خلاف مقتضى الشرع، وخلاف مقتضى العقل، ففيه نوع من التمانع الشرعي والعقلي، إنما هناك سؤالات: هل ينعقد الإجماع بعد الصحابة؟ وهل يمكن أو لا يمكن؟ لكن من يفرض أنه يمكن يقول بأنه حجة، ومن يفرض أنه لا يمكن يقول: لا أعتد به، لا لكونه إجماعاً؛ بل لكونه ليس إجماعاً من هذا الوجه.

ومن المعلوم أن نصوص الشريعة الإسلامية وهي الكتاب والسنة والإجماع -كما يذكر أهل المنطق وأهل الأصول، ومنهم ابن رشد مثلاً- هذه النصوص التي في الأحكام لها حد من حيث التناهي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلاماً في ثلاث وعشرين سنة، في حين أن شريعته باقية إلى قيام الساعة، والفروع التي تنشأ وتحدث عند الناس كثير منها ما يسمى بالنوازل، وإن كانت كلمة (النوازل) أخص من كل ما ينزل، بمعنى: أن النازلة هي مصطلح على القضية الكبرى التي تنزل بالأمة، أما الجديد فلا يسمى نازلة؛ فمثلاً: بعض الناس قد يقول: إن مسألة الأسهم تعتبر من النوازل، والصحيح أنها ليست من النوازل، ولكنها فرع فقهي عادي يقبل الخلاف، ولا يحتاج إلى مرجعيات كلية لتحسم فيه.

والنوازل هي أخص من ذلك، فهي قضايا نازلة تحتاج إلى اجتماع المجتهدين، ولذلك فإن عمر رضي الله عنه -مثلاً- في خلافته عرضت له آحاد من المسائل فكان يحسمها بنفسه، مع أنها تعتبر جديدة، لكن لما جاءت قضية الطاعون اعتبرها عمر تحت مصطلح النازلة، فجمع الصحابة واستشارهم فيها.

ومن النوازل مثلاً: مسألة إقامة المسلمين لظروف ما في غير بلاد المسلمين، واستجابتهم للأحكام المدنية ونحوها في تلك البلاد، فهذه المسألة لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها ويقول رأيه فيها دون الرجوع إلى العلماء، فإن هذه تعتبر اليوم نازلة، وهناك جزء من واقع المسلمين يحتاج إلى تأصيل شرعي مثل هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>