ففيما يتعلق بمكونات الخلاف وأنها الدليل التي يقع الاختلاف في تعيينه أو درجته أو ثبوته، والدلالة، والمستدل، وذكرنا أن المستدل إما أن يسمى ناظراً، وإما أن يسمى فقيهاً، وإما أن يسمى مجتهداً.
وهذا التقسيم قد لا يكون كاصطلاح منتظم نطق به فلان أو فلان من أهل العلم، والاعتبار بالنطق العلمي السابق ليس بالمصطلحات، وإنما الاعتبار بالحقائق العلمية، فإنه لا يلزم فلاناً من الناس الذي عرض في القرن العاشر مثلاً أن لا ينطق بمصطلح إلا وقد نطق به أهل القرن السادس مثلاً، ولكن المعنى الذي ينبغي أن لا يكون إحداثاً في العلم أو ما إلى ذلك هي المعاني، وأما التعبير عن المعاني الصحيحة المعروفة بالاستقراء، فهذا إذا اصطلح عليه بمصطلح ما حتى لو كان المصطلح متأخراً أو معاصراً فهذا ليس محل جدل، وإلا للزم أن يكون السؤال مطروحاً على مصطلحات القرن العاشر التي لم ينطق بها في القرن الثامن مثلاً، ومصطلحات القرن السادس التي ما نطق بها في القرن الرابع، ومصطلحات الرابع التي ما نطق بها أهل القرن الثاني، وهكذا، وهذا يستلزم منع كل هذه المصطلحات، لكن المعنى الذي يهم هو أن لا يتكلم تحت هذا المصطلح المأذون به، دعك من المصطلحات المخالفة لمقاصد الشرع، فهذه مصطلحات منتقدة، ولذلك سبق أن نبهنا على أنه حتى مصطلح التكليف عند الأصوليين لا يقال: إنه غلط، ولكن يقال: ليس هو مصطلحاً فاضلاً؛ بل ينبغي أن يسمى: التشريع؛ لأنهم يقولون: التكليف خمسة: الواجب، والمستحب، والمحرم، والمكروه، والمباح، ثم يختلفون هل المباح من الأحكام التكليفية أم لا؟ فلما لم يروا فيه جهة التكليف والعزم قال من قال منهم: إنه ليس من الأحكام التكليفية، وهذا غلط؛ لأنه يتضمن أنه ليس حكماً شرعياً، والصواب أن المباح عند أهل السنة والجماعة بل عند جمهور الطوائف الإسلامية حكم شرعي؛ لأن الله أثبته في القرآن في مثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم:١] وقوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}[النحل:١١٦].
إذاً: مما ينبه إليه أن دعوى المخالفة للسابق لا بد أن تضبط بالمعاني الصحيحة، فمن خالف المعاني الصحيحة أو أحدث معنى ليس على الأصل المعروف عند القرون المفضلة، فهذا هو الذي يجب رده، وأما باب المصطلحات فهو باب لا يزال غير متناهٍ في التاريخ.