المقام الثاني: التمذهب المذموم: وهو التمذهب على معنى التدين، أي: أنه يلتزم التمذهب على وجه الاختصاص بقول أحد، فيجعل هذا أخص تديناً من غيره، ويتعصب له حتى إنه يترك ظاهر الدليل من أجل قوله ونحو ذلك، فهذا الاستمساك المحض، والمغالبة المحضة بالمذهب، أو ذم المذاهب الأخرى، أو تشتيت المسلمين بالتمذهب ..
ونحو ذلك من العوارض البينة، هذا لا شك أنه مذموم شرعاً وعقلاً، وليس هو من باب التوسعة على المسلمين كالمقام الأول، بل إنه يدخل في باب التضييق عليهم.
ولذلك إذا ورد سؤال: هل التمذهب توسعة على المسلمين أم أنه تضييق عليهم؟ فيقال: فيه تفصيل: فإن اعتبر بالمفهوم الأول الشرعي المتعقل فهو توسعة على المسلمين، وإن اعتبر بالمفهوم الثاني التعصبي المضيق الذي يتجاهل القول الآخر مطلقاً، ويتجاهل ظاهر الدليل أحياناً إلى غيره، ويتكلف في إبعاد القول الثاني، وغير ذلك من أوجه الغلو التي حدثت في التاريخ، حتى كان بعض الشافعية لا يزوجون الحنفي -وإن كانوا يتمسكون بأن الحنفية لا يشترطون الولي في النكاح وما إلى ذلك، لكن هذه تعصبات زائدة- وحتى صار بعضهم يسأل: هل نصلي خلف الشافعي وهو يقنت في الصبح أم لا نصلي خلفه؟! فهذه التكلفات هي تضييق وليست توسعة على المسلمين.