تلك خلاصة جملة من الرسائل أعرب مرسلوها عن رغبتهم فى الإجابة على ما يسألون، وهى كلها تدور حول هذا المعنى.
الغاية من إنزال القرآن (١)
ليس من شك فى أن القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لغرض هو أسمى الأغراض وأنبلها، وهو هداية الناس إلى الحق عن طريقه، وإخراجهم مما هم فيه من الظلمات إلى النور، أنزله الله ليطهر القلوب من رجس الخضوع لغيره، ويرشد الناس إلى العقائد الصحيحة، وإلى العلوم النافعة، وإلى الأخلاق الفاضلة التى تحفظهم وتحفظ المجتمع من مزالق الهوى والشهوة، وأنزله أيضا ليرشد الناس إلى الأعمال الصالحة التى تسمو بالفرد والمجتمع إلى مكانة العزة والكرامة، وقد أرشد القرآن نفسه إلى هذه الغاية أو الغايات فى كثير من الآيات، فقال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة: ١٥، ١٦]، وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: ٥٧].
وبذلك كان القرآن شافيا لأمراض القلب التى تفسد على الإنسان حياته، وأمراض الصدور جهل بالحق، وشبهة تضعف الإيمان، وشهوة تغرى بالفساد، وقد تضمن
القرآن الكريم بنصوصه وإرشاداته ما يعالج البشرية من جهلها وشبهها وشهواتها.
ولم يختلف المسلمون الأولون فى هذه الحقيقة، بل آمنوا بها وحددوا الغاية التى لأجلها نزل القرآن، فأقبلوا على حفظه ودرسه، يستخرجون نفائسه، ويتعرفون أحكامه، ثم أخذوا يعالجون به القلوب من رجس العقائد الباطلة، والأخلاق الفاسدة، ويدفعون به المجتمع إلى سبل الخير والفلاح.
ومن هذا نعلم ما كان للقرآن الكريم من أثر وتوجيه فى حياة المسلمين الأولين، بيد أن المسلمين بعد ذلك ما لبثوا أن انحرفوا بالقرآن عما أنزل لأجله، واستخدم لأغراض لا تمت بأوهى الأسباب إليه، ولا هى مما ينبغى أن تستخدم أو تتخذ طريقا إليه.
انحراف بالقرآن عن وجهته: انحرف المسلمون المتأخرون بالقرآن الكريم إلى جهة