انفرد ذلك الإنسان بتلك الميزة التى تجعله يعيش حياتين: دنيوية يكابد فيها، يسعد ويشقى، ويمرض ويصح، ويتطور فى خلقته من صغر إلى كبر، وحياة أخروية يجد فيها جزاء سعيه فى دنياه، ونتيجة عمله الذى قام به، وحريته التى اكتسبها، وهكذا ينفرد بتلك الخاصية التى لا تحظى بها مخلوقات أخرى من دواب ومخلوقات، وأرض وسماء.
بل إن هذه المخلوقات إنما جعلت فى هذه الدنيا لتخدم ذلك الإنسان الذى يبحث عن مصيره فى دنياه وأخراه، وعن ذاته، وكيف تتحقق، وعن وجوده، وكيف يكون، تخدمه بلا مقابل ولا جهد، فالزرع ينبت فى الأرض ويستوى على سوقه ويعطى ثماره، والشمس تشرق فترسل الدفء إلى الأجسام المقرورة، وتثير الرياح والسحاب كى يحمل فى طياته المطر الذى يبعث النماء والخير، كى يحيا الإنسان، عطاءات عديدة من قبل خالق الخلق بمقتضى ربوبيته لهذا الإنسان، والذى أمر ملائكته بالسجود له، وقال لهم:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة: ٣٠]، لا يسأل عما يفعل، فقد خلق ذلك الإنسان وهو يعلم بحقائقه علم انكشاف وإحاطة، وإدراك لما يتطلبه، لحكمة إلهية وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:
٥٥].
هذا هو المحور الذى تدور حوله الأمثال القرآنية، والترابط بين غاياتها فى تحرير هذا الإنسان من كل إصر يعوق عقيدته، من أن تنطلق نحو الإيمان الحق بالله الواحد، والابتعاد عن مواطن الأهواء، والنزعات الضارة المفسدة لتلك الفطرة النقية الصافية التى خلقها الله سبحانه وتعالى، لتتشرب روح الحياة كما خلقها خالقها، ولتسير فى ضوء هداه، واضحة المنهج، متمتعة بطيبات ما أحل الله، بعيدة عن نزعات الشيطان، محققة ذلك الإنسان المميز بعقله، وحريته، واختياره، والذى يستحق كلمة الله فى حقه:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة: ٣٠].
[المقارنة بين الأمثال القرآنية:]
بالقراءة المتأنية والواعية لسور القرآن الكريم، يستطيع الإنسان القارئ أن يجد ألوانا من التفاوت والاختلاف فى الأمثال التى عرضت، تفاوت واختلاف يرجعان إلى طبيعة المكان، والزمان، والناس، والموضوع المعالج، إلى غير ذلك من أوجه الاختلاف، وقد استطعت بتوفيق من الله جل فى علاه، أن أحدد بعض هذه الأوجه، أعرضها فى الآتى: