وإذا نظرنا إلى دعوة إبراهيم، عليه السلام، وصحفه التى حملت شريعته، وجدناها تختلف عن معجزة النار ونجاته من إحراقها، وكذلك إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، بالنسبة لعيسى، عليه السلام، تختلف عن شريعته إلى نبى إسرائيل من دعوة للإيمان بالله الواحد، وإتمام رسالة موسى، عليه السلام، فالخوارق فى الغالب تقع مغايرة للوحى الذى يتلقاه النبى، إلا معجزة القرآن الكريم، فهى الوحى المدّعى، وهو الخارق المعجز الذى تشاهده فى عينه، ولا يفتقر إلى دليل مغاير له مع الوحى، كما هو الشأن فى سائر المعجزات.
[خصائص المعجزات العامة:]
اختلفت معجزات الأنبياء تبعا لاختلاف أقوامهم وأزمانهم، وما لهؤلاء القوم من نزعات ورغبات، وما يشتهر بينهم من أمور، وما يلف حياتهم من عقائد واتجاهات، وما يتفشى بينهم من أمراض نفسية، وخلقية، وعقلية، فليس الناس جميعا على وتيرة واحدة، وخلق واحد، وتفكير واحد، وتبعا لتلك المتغيرات فى النفوس، والأخلاق، والعادات، والاتجاهات، كانت حكمة الله العالم بهذه المتغيرات، أن تكون معجزاته متمشية مع ما يعج به المجتمع من أمور، وما يزخر به من عادات وعقائد تحتاج إلى إصلاح
اعوجاجها، وبتر صانعيها، والقضاء على الشيطان وأعوانه المفسدين فى الأرض.
ومع اختلاف هذه المعجزات بين نبى ونبى، فإنها تشترك فى خصائص عامة تشملها جميعا بدءا من إبراهيم، عليه السلام، إلى محمد خاتم الأنبياء والرسل، فمن هذه الخصائص:
١ - أنها من الله سبحانه وتعالى، أجراها على يدى أنبيائه ورسله إلى خلقه، شاهدة على صدق الرسول فى تبليغه عن ربه عزّ وجل، وإذا ثبت صدق الرسول فيما بلغ، كان ذلك مدخلا إلى التصديق بالرسالة التى يحملها إلى الناس عن طريق الوحى، وهذه المعجزة لا تخضع لما تخضع له أمور الحياة من ارتباط الأسباب بالمسببات، فإذا وجد السبب وجد المسبب، وإذا انتفى السبب انتفى المسبب، وإنما تخضع لخالق الأسباب والمسببات، وهو الله سبحانه وتعالى، فهو القادر على أن يجريها على سننه، أو على نقيضه، كما حدث فى كثير من المعجزات الحسية، كمنع الإحراق للنار التى ألقى فيها