هى معجزة قولية تشاهد بالبصر والبصيرة، تخاطب العقل والوجدان، ولا يقتصر الإيمان بها على من عاصرها، وإنما يستمر لمن أتى بعدها، وهى أيضا لكل مخلوقات الله من إنس وجن، وصالحة لكل زمان ومكان، وخاتمة أيضا لكل الرسالات السابقة، ومصدقة بكل ما جاء به الأنبياء السابقون، لذلك كانت رسالة عامة، جامعة، خاتمة.
ولكن ما خصائص هذه المعجزة؟ وما أوجه إعجازها؟
لو نظرنا إلى القرآن الكريم، لوجدناه معجزة قولية، أمد الله بها رسوله محمدا؛ ليهدى بها أصحاب البلاغة والفصاحة، والذين يعرفون أسرار الكلمة، وما توحى به استخدامات اللفظة، وما تهدى إليه استعمالات الأساليب، هذا بالإضافة إلى أنهم قوم لدّ فى خصومتهم، مرنوا على الجدال والخصام، وبرعوا فى تطويع الكلمات لأغراضهم وأفهامهم، ونجحوا فى فنون القول من شعر، وحكمة، ومثل، ونثر، ولهم فى ذلك مجالات خصبة استوجبوا لأنفسهم بها زعامة القوم من بدو وحاضرة، والتقدير الأدبى فى أسواقهم الأدبية التى كانت تعقد فى مواسم الحج وغيرها، وتجمع كل الناس الذين ينطقون الضاد بين صفوفها ليتذوقوا الكلمة، وما تتركه فى وجدانات الناس من تأثير، وفى عقولهم من تغيير، وما تثيره من اتجاهات وعقائد، واختيار السبل التى تعالج الأوضاع الاجتماعية، والروحية، والاقتصادية.
لذلك كان التحدى بهذه المعجزة القولية سافرا أمام القوم فى كل ناد ومجتمع، يقرع آذانهم بلفظه، ومعانيه، وطرائقه، وأساليبه، فيبهتون، ولا يستطيعون تصرفا فى قول، أو محاكاة فى أسلوب، تحداهم القرآن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بأقصر سورة كذلك، ولكن هيهات أن تقف قدرة عاجزة قاصرة خاسرة أمام قدرة الله التى أوحت بهذا القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا القرآن شاهد على صدق الرسالة أولا، فمن تدبر فى آيات الله، وجد أنها من عند الله، لا تمت بصلة إلى بشر، وإذا ثبت ذلك، دل على صدق الرسول المبلغ به.
لقد أعلن أحد زعماء قريش، وهو الوليد بن المغيرة، عجزه حينما ذهب إلى محمد يعرض عليه تلك المغريات التى اعتقد أنها تستطيع أن تغير مسار دعوة محمد، أو تغريه بمظاهر الحياة كما تغرى أهل الدنيا، أو تفتّ فى عضده، وتوهن من عزمه، فقرأ عليه