المعركة بين الخير والشر، والحق والباطل، والطيب والخبيث، تدور رحاها منذ أن خلق الله الإنسان من صلصال من حمإ مسنون، وأمر ملائكته بالسجود له، فسجدوا إلا إبليس، أبى أن يكون مع الساجدين، وكانت تلك بدايات الصراع الذى أدى إلى الهبوط إلى الأرض، بعضهم لبعض عدو، فكانت المعركة ضارية، لا يخمد لها أوار، ولا تطفأ نارها.
وقد تتكاثف الظلمات، ويضعف الحق فى فترة من الفترات، ولكن إلى حين، فإن النور لا بدّ وأن ينبثق، ويعلو صوت الحق، وقد كتب الله فى محكم قرآنه: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: ٢١].
وقد حفل القرآن الكريم بالآيات التى تحمل فى طياتها كل معانى الخير، والدعوة إلى العمل الصالح، وتحبب المؤمن فى التفوق على شهوات النفس، ولذائذ الحياة التى تطغيها، وتخرج بها إلى دائرة الحيوانية الرخيصة.
وأبواب الترغيب كثيرة، تشمل الحياة بأسرها، وبكل ما تحتاج إليه من جهد، وطاقة، وعلم، وتقى، وصلاح، يحقق سعادة النفس فى الدنيا، ويمهد لذلك اللقاء الباقى فى الآخرة، حيث يجد كل إنسان ما عمل من خير محضرا.
لذلك كانت الدعوة من الله هى دعوة إلى العمل الصالح، وترغيب فى خير يشمل خيرى الدنيا والآخرة، فى الأوامر التى تدعو إليها، والنواهى التى تنهى عنها، والتكاليف التى تلزم بها، والإتقان فى العمل عن طريق المراقبة لله، وممارسة العبادات، فإن الوقت الذى يقضيه المرء فى العبادة هو شحن لطاقة الإنسان بقوة جديدة، ونشاط زائد، فالصلاة هى أعظم طاقة مولدة للنشاط عرفت حتى يومنا هذا، وقد فشلت العقاقير فى معالجة كثير من المرضى، فلما عجز الطلب تدخلت الصلاة، فأبرأت الكثير من المرضى.
وقد يبدو فى ظاهر هذه التكاليف بعض المشقات التى يكابدها الإنسان، أو المتاعب التى يضيق بها حينا، كالامتناع عن الطعام والشراب شهرا من شهور العام، أو الأموال التى يخرجها عن نفسه وماله، ولكن لو نظر الإنسان نظر تبصر واعتبار، لعرف أن الله جل جلاله برّ رحيم بعباده، يدعوهم إلى الحسنى فى كل شىء، وينأى بهم عن الشر،