الصورة المعروضة لأولئك المنافقين الذين تملكتهم الحيرة والحسرة؛ لأن نور الإيمان لم يصل إلى قلوبهم، ولم يحققوا الفوز والنعيم المقيم؛ لأن إيمانهم كان مجرد زعم وادعاء؛ لحقن دمائهم وصيانة أموالهم.
المشبه به: حال وهيئة أولئك الذين طلبوا إيقاد النار للاهتداء بها، فلما أضاءت لهم وسطع نورها حولهم انطفأت، فتملكتهم الحيرة فى الظلمات، وأصابتهم الحسرة على فوت ما فات، وغمرهم اليأس من بلوغ ما كانوا يريدون لو بقى لهم ذلك النور.
وإذا سيقت هذه الصورة البيانية بحذف ركنها الأول، وهو التمثل له المشبه، واكتفى بذكر المتمثل به المشبه به، كان ذلك تدرجا فى البيان، وقمة فى الإيجاز والاختصار، وعدّ من أساليب الاستعارة التمثيلية التى نجد مكانها واضحا فى تلك الأمثال الحكمية التى حفل بها القرآن الكريم، وعرضها علينا قضايا مسلمة، محكوما بصحتها، ويمكن اللجوء إليها، والاستشهاد والتمثيل بذكرها بفرض حال مناسبة مشابهة لها، وقد عرضت كتب التفسير نماذج لذلك فى قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: ٣٨]، ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة: ٩٩]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: ٢٨٦].
[الأمثال:]
طريقة من جملة الطرائق الأسلوبية التى عالجت بها الآيات القرآنية، الحقائق فى منازعها المختلفة.
حقيقة المثل: يقوم المثل على الشبه والنظير بين طرفين؛ لتتم بينهما المقارنة والمشابهة، وقد يكون المثل بمعنى الصفة، ومن ذلك قوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الرعد: ٣٥]، أى صفة الجنة، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [النحل: ٦٠]، أى الصفة العليا، وهى قولنا: لا إله إلا الله، وقوله تعالى: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ [الفتح: ٢٩]، أى صفتهم. وقال قوم: إنما يعنى المثل: المثال الذى يحذى عليه كأنه جعله مقياسا لغيره.
[رأى علماء البلاغة فى الأمثال:]
يرى عبد القاهر الجرجانى فى كتابه: أسرار البلاغة، أن المثل يقوم على التشبيه المركب فقط، فوجه الشبه فيه منتزع من صور لا يمكن فصل بعضها عن بعض، حتى