يرى ذلك التنديد بمن يهدرون قيمة الإنسان فى فكره المتحرر، ورأيه الذى ينبع من عقله، ويحاولون السيطرة عليه بالإرهاب الفكرى، وإملاء الإرادة، حتى لا تكون هناك شخصية متميزة متحررة، إنهم بذلك يمسخون هذه الشخصية، ويلغون صفاتها المتميزة فى فكرها الحر، وعملها المنطلق فى رحاب الحياة دون قيد أو عائق، يريدون أن يرسموا له الطريق، ويحددوا له الاتجاه، حتى يكون كالآلة الصماء التى تدور وتعمل تبعا لأوامر صانعيها.
وما هكذا الإنسان وما خلق له من تعمير للكون والحياة، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النجم: ٣٩ - ٤١].
فالإنسان مجزى بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والجزاء من جنس العمل، ف كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: ٣٨]، وقد عبر عن ذلك مثل عربى آخر بقوله:
[٢ - يداك أوكتا وفوك نفخ:]
ويضرب هذا المثل لمن يجنى على نفسه بأفعاله وأعماله، فهو بقصوره وتقصيره يتسبب فى إيذاء نفسه.
والإنسان بمسئولياته، وبتحمله لأعباء الحياة، وتفكيره، والجزاء فى الدنيا والآخرة مبنى على ما قدم بنفسه وبتفكيره الحر، دون سيطرة أو رقيب إلا من داخله، من أعماق نفسه، ومن معتقده، وهكذا تكون الانطلاقة الحرة المتمثلة مع الحياة المتطورة، وما تستدعيه من الفكر الحر، والاختيار المطلق الذى لا يتقيد إلا بتعاليم الدين وما يضعه من قواعد وتكاليف يحاسب عليها الإنسان من رب الإنسان ورب الأرض والسماء، رب العالمين يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران: ٣٠].
وأصل هذا المثل أن رجلا كان بجزيرة، فأراد أن يعبر على زقّ قد نفخ فيه، فلم يحسن إحكامه، حتى إذا توسط البحر خرج منه الهواء المضغوط، فغرق الزق، فاستغاث صاحب الزق برجل، فقال له: يداك أوكتا وفوك نفخ.
وإذا كانت الانغلاقة فى الفكر، والتقوقع فى الزمان والمكان، من الأمور المرفوضة