الإيمان بوحدانية الله، وهو إفراده بألوهيته فى الأرض، كإفراده بالألوهية فى السماء، وعدم تعدده فى ذاته، وصفاته، وأفعاله، هو الفارق بين طريق وطريق، طريق الحق، وطريق الباطل، طريق الهدى، وطريق الضلال، وكانت هذه الحقيقة التى نطق بها أبو الأنبياء إبراهيم، عليه السلام.
هذه النقلة فى الاعتقاد كانت طريق الأنبياء والرسل، ولم يكن هذا الطريق ممهدا مملوءا بالورود والرياحين، ولكنه طريق الشوك والقتاد، طريق الصعاب، والألم، والتضحيات، فكم من نبى ورسول حورب من قومه، وقوبل بالهزء والسخرية، وكان محل تندر، وسخرية مريرة من أهله، وكم من نبى ورسول قتل فى سبيل هداية قومه إلى طريق الحق كما حدث فى بنى إسرائيل.
ولم يكن محمد، عليه الصلاة والسلام، بدعا من الأمر، أو بعيدا عن مواطن المشقات والمتاعب، فقد أرسل إلى قوم غلف القلوب، غلاظ الأكباد، صم الآذان، عمى العيون، لا يستمعون لكلمة الله ولا يصيخون لدعوة الحق، ولا تؤثر فيهم موعظة حسنة، حتى إذا نزلت إليهم الآيات القرآنية تدعوهم إلى عبادة الله وحده بطرائقها العديدة، وأساليبها المختلفة من أمر إلى نهى، من استفهام إلى خبر، من قصة إلى مثل؛ لاستمالتهم والتأثير فى نفوسهم، اتخذوا من ذلك أداة للتندر والتفكه، وأعرضوا عن السماع، مع ما لهم من ملكة التذوق والفهم لهذه الأساليب التى أتت من جنس ما يتكلمون ويتحدثون، ولكنه الكبرياء الذى تمكن من نفوسهم، والغرور الذى سيطر على قلوبهم،
فكيف يدعو محمد إلى ذلك، ويظهر من بين أيديهم، ولا يكون من أولئك العظماء الذين يدينون لهم بالطاعة والخضوع، ويعرفون لهم مكان الشرف والسيادة: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [الزخرف: ٣٢]، وفى آية أخرى. وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ