للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأعرابى ذلك النداء إلى الإيمان بالله الخالق، والموجد، الرازق، قال: إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، أفلا يدل ذلك الكون بأرضه وسمائه على الخالق القدير؟

ونفس الموقف تعرض له رجل آخر، وإن كانت له سابقة من أدناس النفس حجبت عنه الضوء فترة من الزمن، وقعدت به عن سرعة الاستجابة إلى الله، بل كانت له مواقف محاربة ضد الدعوة الإسلامية، فقد كان عكرمة بن أبى جهل من أولئك الذين لهم سهم معلوم فى موقف الكفار المعاندين للدعوة فى مكة.

أحاط الهول والخطر بعكرمة، وهو هارب إلى الحبشة على ظهر سفينة، ورأى الناس يدعون الله أن ينقذهم من ذلك الخطر الداهم، فقال لهم: ألا تدعون آلهتكم؟ فقالوا:

إنها لا تقدر على ذلك، فكانت هذه الإجابة سببا فى رجوعه إلى صوابه، وأدراك حقيقة ما هو عليه من باطل، وحاجته إلى ذلك النور الجديد، كى ينقذ نفسه وحياته، فعاد إلى مكة، وآمن بالله ورسوله، وكان من جند الله المخلصين.

فطرة صافية وصلت إلى تحقيق إيمان كامل ثابت فى نفس صاحبها، وعقيدة عجزت عقول الكثيرين عن الوصول إلى نتائجها مع ما اتصفوا به من كمال عقل، وفصاحة لسان، وقوة منطق، وبلاغة أسلوب، ومع ما لديهم من سابق معرفة بأخبار الأمم وأحداثها، وما يصل إلى مسامعهم من بشارات الكتب السماوية الأخرى التى تنبئ بعهد جديد فى الاعتقاد والالتزام، وطهارة المسلك والطريق.

ما كان من أولئك الذين أرسل إليهم رسول الله إلا الانحراف فى الفكر، وإلا الضلال فى العقيدة، سار فى ذلك الكثيرون وأعانهم على ذلك شياطين الإنس من أرباب الكهانة، والسيطرة الدينية، ممن يعيشون فى كهوفها، ويريدون أن يكون الجميع على منوالهم، يسيرون فى طريق الفساد، وأعوانا للشياطين فى الأرض، فكانت الآلهة أصناما، وأشجارا، وملائكة، وأشخاصا ... إلخ، مما باعد بينهم وبين الحقيقة الباهرة التى يجب أن يعيشوا فى نورها، ويرتقوا بأنفسهم وفكرهم إلى مستواها، ألا وهى حقيقة التوحيد.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٧٣، ٧٤].

<<  <   >  >>