اجتهادات العلماء فى هذا المجال تقوم على معرفة الغرض والحكمة من وراء سوق العبارات، فإذا أبرزت الآيات صورة كاملة لحالين متشابهين فى أمور ممتزجة لا انفصام بينها، كان ذلك مثلا قياسيا، ولو خلا من كلمة مثل، أو شبه، أو ضرب، ما دام يخدم الفكرة ويوضح الغاية فى رأيهم، وبمقتضى هذا الفهم يتسع المثل، فيشمل كل ما ورد فى القرآن الكريم من أحوال السابقين من قصص، وذكر أحوال، مثل: أخوة يوسف، وقصة موسى، وعيسى، وأهل الكهف، وغيرهم مما حفلت به الآيات القرآنية وسور القرآن الكريم، وعرضته بغية الوعظ والاعتبار. ولا نغالى إذا قلنا: إنه ما من آية إلا وتحمل فى طياتها دعوة، وعظة، واعتبارا، وعرضا لأحوال السابقين، ما عدا تلك الآيات التى تبين تشريعا، أو تضع قواعد، وتكاليف، وأمور عبادات.
لذا فنحن لسنا مع أولئك القائلين بهذا القول، أو الذاهبين هذا المذهب، فلا يصح أن نخضع هذا الأمر لقياسات العلماء، أو القواعد التى يطبقون عليها، فالأمر يجب أن يكون بخلاف ذلك، والعكس هو الصحيح، وهو أن تقعد القواعد، وتوضع الموازين على هدى كتاب الله، اللسان العربى المبين، والصياغة التى وردت فيه، فهى النموذج الأمثل.
لقد فعل أصحاب القواعد النحوية مثل هذا، وذهبوا هذا المذهب، ولم ينكر عليهم أحد اتجاههم هذا إلى وقتنا الحاضر، فقد جعلوا القرآن الكريم هو الأصل، وما عداه مقيس عليه، يصلحون من قواعدهم، ويتلمسون العلل فيما أتى مخالفا للنموذج لأنفسهم.
وهذا الجهد الحميد من أولئك العلماء، علماء البلاغة، لا ينكر، والاجتهادات التى توصلوا إليها من بلاغيين، ومفسرين، وعلماء، فى هذه الميادين، اجتهادات ولا شك مشكورة، حفرت الطريق أمام السائرين، ومهدته لكى يواصل المسيرة من أراد فى طريق النماء العقلى، والتقدم العلمى، حتى وقتنا الحاضر، ولمن يأتى بعد ذلك.
[تمهيد:]
وراء كل عمل فلسفة معينة تدفع إليه، وتكون حافزا لإتمامه على نحو معين، يصدق هذا على كل مجالات الحياة، ويبرر كل خطوة يخطوها الإنسان فى فكره، وعمله، وإبداعه.