للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنْثُوراً أى مفرقا فهو مثله فى عدم النفع، إذ لا ثواب فيه لعدم شرطه.

قال العلماء: وإن كانوا قد يجازون عليه فى الدنيا. وما دامت أعمالهم الصالحة لا ثواب عليها لفقد شرطها وهو الإيمان، فليس لهم إلا النار مستقرا ومقيلا.

ثم إن الكاتب لما استشهد على دعواه بالآية الكريمة، قال بعدها مباشرة: وقد تكررت هذه الآية فى القرآن بنصها ومعناها أكثر من مرة حتى أصبحت بمثابة قاعدة أساسية من قواعد الدين الإسلامى، حتى لقد جعل منها تشريعا قائما عند ما أباح للمسلم أن يتزوج بكتابية على غير دينه، وأن تبقى على دينها.

أما بالنسبة للآية، فنقول: لا يمكن أبدا فى ميزان العقل السليم والمنطق الصحيح أن تفهم الآية على ما يبدو منها للكاتب بعد أن بين القرآن حقيقة الإيمان، وما يجب على المكلف أن يؤمن به، وبعد أن حكم بالكفر على من كذّب وفرّق بين رسول ورسول، كما قدمنا كل ذلك صريحا دون لبس أو غموض، وإلا لكان القرآن من عند غير الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وإذن فلا بد من فهمها على هذه الحقائق، وعلى أساس هذه الأصول، وتلكم الحجج القوية الدامغة. قال أئمة التفسير: اختلف فى الذين آمنوا فى هذه الآية، فقالت فرقة:

«الَّذِينَ آمَنُوا» هم المؤمنون حقا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» يكون فيهم بمعنى من ثبت ودام، وفى سائر الفرق بمعنى من دخل فيه.

وقالت فرقة: المراد بالذين آمنوا، المؤمنون بالأنبياء قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون المعنى: أن الذين آمنوا على التحقيق فى زمن الفترة مثل: قس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وبحيرا الراهب، وأبى ذر الغفارى، وسلمان الفارسى، وهؤلاء هم أصحاب الإيمان الحق قبل ظهور النبى صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا على الدين الباطل المبدل من اليهود والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر وبمحمد صلى الله عليه وسلم عند إدراكهم زمنه، فلهم أجرهم ... إلخ.

فالآية تبين بهذا أن أى دين قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم لو كان صحيحا لا ينفع المتدينين به عند ظهوره صلى الله عليه وسلم، وعليهم أن يؤمنوا بالقرآن، وبما جاء به، عليه السلام، إذا أدركوا زمنه، وإلا فهم هالكون، ومن باب أولى ما إذا كان باطلا ومبدلا كدين اليهود والنصارى، فلو فرض أن إنسانا قبل ظهور بعثة النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى

<<  <   >  >>